الخميس، 17 ديسمبر 2009

عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة





عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة
أمازيغي حوله المعتقل إلى أحد رجالات محمد السادس


كان من شأن الضوء الأخضر الذي أعطاه الملك محمد السادس لدعاة تخليق الحياة العامة بالمملكة، قصد خلق كيان مركزي لمحاربة الفساد، أن استشعر من خلاله بعض المتتبعين بأن رغبة القصر جادة هذه المرة، بالقدر الذي يدفع البلاد نحو تسلق مراتب متقدمة في سلم التصنيف الدولي للبلدان التي تتجه فيها ظاهرة الرشوة إلى الانقراض، كما أن تنصيب الملك محمد السادس للرجل القادم من أعماق منطقة سوس على رأس هذه "الهيئة"، ساهم حسب أحد المهتمين في خروج الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة من قمقم المارد المخزني إلى حيز الوجود، على الرغم من كونها تسارع الخطى نحو التحلي بزي هيئة حكومية محضة، سيما أن جواز تأسيسها مر عن طريق ظهير شريف، عبر مرسوم صدر بالجريدة الرسمية في مطلع شهر أبريل 2007، لكن مع وجود هذا الرجل على رأس هذه الهيئة، بناء على إرثه الفكري والإيديولوجي، من شأنه حسب مناصريه أن يكرس مفهوم الرقابة لدى أباطرة الفساد بمملكة محمد السادس، ولو أن هناك من استشرف من خلال قراءة مستقبلية، عدم استقلالية الهيئة عن الحكومة، فمن يكون إذن، هذا الذي استرعى انتباه ملك المغرب لينصبه على رأس أكثر الهيئات حساسية بالمملكة؟

إسمه عبد السلام أبو درار، للوهلة الأولى قد يحيل هذا الإسم على رجل يتفرع عن عائلة تجذرت أصولها في عمق السلالات العربية الأصيلة، لكن بين هذا الإسم والانتماء هناك هوة سحيقة، نظرا لأن الرجل أمازيغي الأصل والمنبت.

بعد أن رأى النور بإحدى مناطق سوس، هاجرت أسرة عبد السلام إلى مدينة سلا، لتحط رحالها بحي شعبي اكتشف من خلاله الطفل أبو درار مظاهر التمدن، إذ بحث جاهدا عن وسيلة يفجر عن طريقها طاقته المخزونة، فلم يجد بدا سوى المدرسة التي تميّز بين فصولها عن باقي أقرانه آنذاك، حينها كون حوله أصدقاء الطفولة - حسب الذين يعرفونه- فكرة شاب يتطلع من خلال التهامه للمقررات الدراسية، احتلال موقع ريادي في المستقبل القريب. ولعل هذا الانطباع هو ما حذا بأوليائه إلى الدفع به نحو الديار الأوروبية لمتابعة دراسته، وإتمام مسيرة الألف ميل التي بدأ أولى خطواتها بمدينة سلا، كانت عاصمة الأنوار محطة مهمة في حياة عبد السلام أبو درار العلمية والمهنية، إذ تخرج من إحدى أهم مدارسها وأكثرها قدرة على تفريخ الأطر، تلك التي أنجبت كوادر من نوع خاص، أثبتت التجارب أنهم شلة تتحكم في أكثر القطاعات دينامية في البلاد، الحديث هنا ينطبق على المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، تلك التي تخرج منها بعض ممن يدورون في فلك الملك محمد السادس.

عاد عبد السلام أبو درار إلى أرض الوطن سنة 1973، غانما دبلوم مهندس دولة من المدرسة الباريسية وعمره لم يتجاوز بعد 24 سنة، إذ شغل منصبا بوزارة التجهيز، كما عاد محملا أيضا بأحلام التغيير الجذري، أحلام ذاتية لم تثن صاحبها عن الإمعان العميق في هموم الوطن، وإمكانية خلط الأوراق قصد الخروج بتشكيلة سياسية جديدة تحكم المغرب بقبضة حديدية صرفة، فكان أن طالته في شهر نونبر 1974 آلة مخزن الجمر والرصاص، بتهمة الانتماء إلى التنظيم السري ذي النزعة اليسارية الراديكالية "منظمة 23 مارس"، ليجد نفسه وأعضاء فصيله السري يتقاسمون جميعا هواء زنازن باردة، تفوح منها عطانة الأسى الشفيف، إذ حكم عليه بخمس سنوات سجنا نافذا، كانت حسب أحد رفاقه كأنها الدهر كله، لكن بالرغم من وطأة الاختطاف وحرقة التعذيب وفظاعة جلادي عهد الحسن الثاني، أصر عبد السلام أبو درار أن يقتل رتابة زنزانته بالسجن المركزي بالقنيطرة، منصرفا إبان فترة التنكيل إلى الدراسات الاقتصادية، ومع انتهاء مدة الاعتقال خلال إحدى صباحات شهر نونبر سنة 1979، غادر السجن وفي نفسه غصة على رفاق الأمس، أثناء ذلك عكف على إتمام مشواره الدراسي، حيث تخرج من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1980، متوجا بشهادة الدراسات العليا في شعبة العلوم الاقتصادية، إضافة إلى ذلك حاز على الماجستير في إدارة الأعمال بإحدى أعتد المعاهد الفرنسية، وهو ما مهد له الطريق نحو وظيفته القديمة بوزارة التجهيز، حيث عمل في مجال التجهيز والهندسة المدنية، بالإضافة إلى شغله مناصب متعددة بالوظيفة العمومية، إلى أن غادرها سنة 1998، وهي السنة التي انتقل فيها عبد السلام أبو درار إلى صندوق الإيداع والتدبير، حيث تدرج من مسؤول عن قطب تشجيع الاحتياطي الاجتماعي وتطوير آليات الادخار، مرورا بمنصب الكاتب العام للصندوق سنة 2002، لينتهي به المطاف سنة 2006 مديرا مساعدا للصندوق المعروف إختصار ب (CDG).

وعلى الرغم من ذلك كان حنين السياسة يجر صاحبه إلى الماضي الدفين، إذ عاش ما يشبه صراعا داخليا بين مهندس الطرق والقناطر والاقتصادي المحنك، وبين ذاك السياسي الذي يسكنه هاجس التغيير، لذلك حاول الرجل جاهدا أن يخلق نوعا من التوازن بين ميولاته الاقتصادية والسياسية، فكان أن انصرف إلى المجتمع المدني ذي الكنه السياسي سنة 1994، حيث ساهم في تأسيس الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة ( ترانسبراني المغرب)، بالإضافة إلى ترأسه للجنة محاربة الرشوة بالاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، وكذا نيل عضوية المرصد الاجتماعي الدولي.

ما يميز الرجل عن غيره ممن اقتسم وإياهم مرارة سنوات وسمها لظى الجمر وثقل الرصاص، كونه قليل الكلام، إذ لا يتحدث إلا لماما، وعندما يتحدث، تكون تلك العبارات المنسابة على لسانه السوسي حارقة، إلى حد وصفها البعض بأنها تشبه حمما بركانية، ذلك أن عبد السلام أبو درار حسب معارفه، يتبنى في أحاديثه قاعدة رياضية خالصة، مفادها أن أقرب مسافة بين نقطتين هي خط مستقيم، ولعل ذلك كان سببا، جعل بعض ممن لا يتفقون مع الرجل، وصفه بـ" المتزمت" ذي النظرة الأحادية، فهو بالنسبة لبعض رفاق الأمس، رجل الخبرة في المجالات التي أنيطت به مهمة تسييرها، والسياسي المغمور، الذي دفعته مبادئ تخليق الحياة العامة إلى تعكير صفو مزاج صناع القرار بالمغرب، كما لا يتوانى البعض في نعته بالأمازيغي الذي لا يشتغل إلا في الظل بعيدا عن الأضواء الكاشفة. أما الذين ينظرون إلى الرجل من خلف حجاب، فهو عندهم بمثابة القنطرة الآمنة التي يمكن أن تمرر عليها بعض الجهات قراراتها ووجهات نظرها حول محاربة الفساد، هذا بالإضافة إلى تكهن البعض بكون تعيين الرجل على رأس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة من طرف الملك، هو محاولة لامتصاص حماس الرجل وتحويله إلى خدمة الحكومة التي يترأسها عباس الفاسي، وبالتالي إدراج الهيئة في خانة فتوحات هذه الأخيرة، لكن بين التكهن والواقع مسافة شاسعة، على اعتبار أن الرجل الذي انضاف إلى لائحة المحيطين بالملك محمد السادس، قادر حسب البعض على كشف الفساد ووضع الأصبع على الجرح الذي أدرج المغرب في خانة متقدمة ضمن الدول التي تنخرها الرشوة، مثلما تأكل الطفيليات أوراق التوت.

عن المشعل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق