السبت، 2 يناير 2010

ندية ياسين "المرأة التي عارضت النظام علانية"






هي واحدة من بين نساء قلائل، من أطلقن ألسنتهن للبوح عن آراءهن تجاه النظام المغربي، وأحيانا انتقاد مؤسساته، بما في ذلك المؤسسة الملكية، إذ أن هذه المرأة، التي ارتشفت حد الثمالة من أيديولوجية والدها، حصدت نتيجة مواقفها ألقاب عدة، لازمتها قرابة ثلاثة عقود، حيث لا يتردد البعض في وصفها بـ "المشاكسة" تارة و"المتمردة" تارة أخرى، ولعل هذه الألقاب وغيرها، قد ساهمت في رسم "بروفايل" خاص عن امرأة استثنائية، عكست في كثير من حواراتها وآرائها وكذا مداخلاتها الأكاديمية، موقف جماعة العدل والإحسان من نظام سياسي تتقاطع فيه حسب أغلب قادتها (الجماعة) اختلالات جمة، لذلك، لم تتردد المرأة في الجهر بإصلاحه أحيانا وانتقاده في أحايين كثيرة.

الحديث هنا يخص "ندية ياسين" كريمة الشيخ عبد السلام ياسين، المرشد والزعيم الروحي لجماعة العدل والإحسان.

على امتداد قرابة عقدين من الزمن، ظلت مواقف ندية ياسين من النظام المغربي شبه مستهلكة من طرف العامة والنخب، بل امتدت مواقفها تلك إلى حد تبنيها من طرف غالبية أطر وكذا قاعدة الجماعة، بيد أن سنة 2005، كانت بمثابة منعرج حاسم في توجهاتها الفكرية والإيديولوجية، سيما وأن الظرفية آنذاك، كانت تقود "الجماعة" نحو عتبة 2006، المتميزة بطابع خاص لدى أغلب قاعدتها وأتباعها وكذا مريدها، لارتباطهما حسب هؤلاء بـ "رؤيا 2006"، المقرونة حسب اعتقادهم بـ "الحدث الهام"، إذ من خلال حوار مطول أجرته "الأسبوعية الجديدة" مع ندية ياسين سنة 2005، برزت هذه الأخيرة كمعارضة للنظام، إثر جهرها علانية بموقفها من النظام الملكي، حيث صرحت وقفا لقناعاتها الشخصية، بأنها تختار الجمهورية كنظام للحكم، لتنظاف إلى خانة جمهوريو المملكة، الذين لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة، ونتيجة لما تضمنه حوارها المعنون بـ "الملكية لا تصلح للمغرب" المنشور في العدد 33 من "الأسبوعية الجديدة"، سنة 2005، تم متابعة ندية ياسين بجنحة "المس بالنظام الملكي"، وهي الجنحة التي مازال فصول متابعاتها حاليا بيد القضاء، وحسب ندية ياسين التي تلاحقها تهمة ثقيلة، إن مضمون الاستجواب ـ تجيب عن سؤال إحدى المنابر الوطنية ـ "لا أدعوا فيه إلى تغيير نظام إلى آخر، وإنما اعتقد أن نظام الشورى يعتمد على الإخبار الكامل للشعب المغربي حتى يكون اختياره سليما"، كما بررت خلال إحدى حواراتها عدم مساسها بالدستور والمؤسسات قائلة "أبرهن أننا في عهد جديد نؤمن فيه بحرية التعبير ونقدم خدمة للمؤسسات تبرهن على أننا في بلد ديمقراطي، ولا أعتبر تصريحاتي ماسة بالدستور والمؤسسات، ذلك أني لم أمس بشخص الملك ولا الأمراء".

وحسب العديد من المتتبعين، لا تختلف مواقف وآراء ندية ياسين عن مواقف والدها، حيث ذهب الكثيرون في اتجاه اغتراف مدللة الشيخ، إيديولوجيتها من معين والدها عبد السلام ياسين، صاحب رسالة "الإسلام أو الطوفان" التي بعثها للراحل الملك الحسن الثاني، وكذا رسالة إلى من يهمه الأمر التي وجها إلى الملك محمد السادس مع بداية بزوغ فجر العهد الجديد.


Almichaal Hebdo

محمد الكحص الفقير الذي استوزر من مهنة المتاعب





شاءت الأقدار أن تصنع منه وزيرا ينتعش كلما سمع كلمة "معالي" أو "سعادة الوزير" عوض كلمة "الزميل" التي لازمته قرابة عقد من الزمن، عندما كان مديرا مساعدا ومدير تحرير جريدة "ليبراسيون" لسان حزب الاتحاد الاشتراكي المفرنس، وعكس المتوقع شاءت رياح الاستوزار أن تجري بما تشتهيه سفنه المحملة بالآمال والأحلام، "الوردية طبعا". فبعد إبحار شاق في عالم الصحافة،بدا كمن يسبح في يم من الحبر الأسود، مستعينا بقلمين للتجديف بغية الوصول إلى الأفق المنحوت بخطوط حمراء متوازية، لكن عاصفة الرياح الشرقية أو الاشتراكية رمت به إلى شط وزارة عجوز تسعى أن تظهر بمظهر فتاة في كامل عذريتها، قيل إنه ولج الوزارة برجله اليمنى حاملا معه جرأة القلم وحيوية الصحافي التي فرضتها عليه مهنة المتاعب، فرغم ضعف الإمكانات المخصصة لقطاع حساس (الشباب) إلا انه عرف كيف يسلط على نفسه الأضواء، خصوصا لما اضطلع على حقيقة وزارة الشباب التي تجعل الداخل إلى أروقتها عجوزا في سن السبعين، فقد قاد حملة تطهيرية داخل دواليب الوزارة، ليحول مكتبه إلى قاعة للتحرير، حتى راجت أخبار من كون وزيرنا أو كاتب الدولة في الشباب، حسب التسمية الرسمية، أنه نقل إلى مكتبه نخبة من أصدقائه وزملائه السابقين كمعاونين ومستشارين في إدارة الوزارة، ولما لا مؤنسين ما دام القطاع شبابيا مائة بالمائة.


آمن هذا الشاب بأن لا شيء ينفعه لتحديث قطاع الشباب وإزالة البقع السوداء التي أحدثتها ترسبات الماضي سوى "صابون تازة"، لهذا ابتدع أفكارا جديدة من شأنها أن تعيد للأشياء قيمتها ومن ضمنها "الكتاب" الذي أقسم أن يعيد له هو الآخر زمنه وقيمته، حتى أنه خاطب وناشد الكتب أن تعلن تمردها لتغادر الرفوف التي سجنتها لسنوات طوال، ممهدا لها طريقا آخر، حتما سيؤدي إلى رفوف الوزارة.
فبعد سنتين من تولي الملك الراحل الحسن الثاني حكم المغرب، أي في 30 شتنبر 1963، سمعت صرخة محمد الكحص مدوية في سماء تازة مصحوبة بزغاريد حسب العادة المغربية، فقد استطاع هذا الوليد أن يزرع الدفء في صفوف الأسرة التي تعيش في جو تازة البارد آنذاك، ترعرع هناك، وأخذت ملامح الشباب تلتهم براءة طفولته، لكن والديه لم يخطر ببالهما يوما أن ابنهما سيظل شابا مع أنه طرق منتصف عقده الرابع، عيناه الذابلتان، شفتاه المائلتان شيئا ما تخفيان أسنانه البارزة، يهوى تسريح شعره ناحية اليسار تماشيا مع توجهه عندما ولج الاتحاد الاشتراكي أول مرة وعمره 14 سنة، فهو عكس بعض الوزراء الذين تدلت كروشهم بفعل المأكولات الرسمية، إذ رغم تقلده لحقيبة وزارة غير مكتنزة، إلا أن ملامح السمنة لم تظهر عليه بعد، لذا قال أحد معارفه "لو التقى مواطن مغربي وجها لوجه محمد الكحص، وليست لديه عنه أدنى فكرة، فحتما سوف لن يدري أن الذي أمامه وزير يحمل على عاتقه هموم وشغب الشباب"، تناقضت الآراء من حوله، فهو بالنسبة للبعض مجرد إنسان عادي بسيط، مشبع بثقافة التازيين، حتى أن شكله قبل تقلد حقيبة وزارية، يوحي بأن الرجل شعبي حتى النخاع مع ميله للانطوائية. لكن في نفس الوقت يرى فيه البعض الآخر، شابا منفتحا على ثقافة الغرب بحكم تكوينه في أوروبا، فقد تابع محمد الكحص دراسته بكلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بجامعة نانسي 2 بفرنسا، ليعرج في اتجاه آخر، سالكا دربا وعرا عنوانه الأبرز "الخبر مقدس والتعليق حر".


كانت محطته الموالية بمدرسة الصحافة بستراسبورغ، ليعود إلى المغرب وبحوزته شهادة "الميتريز" في العلوم الاقتصادية ودبلوم الدراسات المعمقة في التسيير وكذا دبلوم الدراسات العليا في الصحافة، مما جعل أبواب جريدة "ليبراسيون" مشرعة أمامه، ليشغل بها منصب مدير التحرير سنة 1993.
كما أنه أنجز عدة بحوث، أهمها كان في التدبير الاستراتيجي والعلاقات الأورومغاربية، وبحثا آخر في مجال التسويق السياسي والتيكنولوجيا.


تسلق محمد الكحص أدراج الحزب، وأبان عن علو كعبه في عدة مجالات، صرخ واحتج وانسحب وضرب براحته المنصة مثل زميله فتح الله ولعلو، لذا كان لزاما أن يتأثر الشاب بالرواد في الدفاع عن هموم المواطنين، ولما لا الاستوزار مثلهم، حتى قيل إنه في أواخر عهد اليوسفي، كان الكحص يميل إلى كفة أستاذه محمد اليازغي الذي قاد تيارا داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، تاركا عبد الرحمن اليوسفي يسبح في تياره مع الآخرين، لهذا ذهب البعض إلى كون اليازغي هو من مهد الطريق وعبّدها للكحص للمرور بسهولة إلى رحاب الحكومة، خصوصا أنهما تحملا معا مسؤولية إدارة جريدة "ليبيراسيون"، وهناك من الصحافيين من علق ساخرا بقوله إنه لم يكن يتوقع أن يرى الكحص بجلباب أبيض وطربوش المخزن الأحمرء، وسط جموع البرلمانيين في بهو مجلس النواب، وهو نفسه الكحص الذي صرح بكونه يعتبر البذلة الرسمية وربطة العنق جزءا من مهنته، فالصحافة من منظوره الخاص لها تقاليدها وطقوسها شأنها في ذلك شأن المهن الأخرى، وتضيف المسؤولية الرسمية لها نمطية معينة، يجب قبولها، والأمر في غاية البساطة، حيث يمكن القول حسب تعبيره إن هناك مصالحة تاريخية قد وقعت بيني وبين ربطة العنق، لكن هذه الأخيرة ربما خنقت أنفاسه، لما رن هاتفه في ساعة متأخرة بإحدى الليالي الصيفية سنة 2005، ليقف على هول الفاجعة التي راح ضحيتها أطفال في سن الزهور في إحدى المخيمات بمدينة إفران، فقد توفيت عدة فتيات من ضمنهن شقيقتان إثر إهمال بعض الأطر"غير التربوية" للأطفال، الأمر الذي أدى إلى نشوب حريق بإحدى الخيمات ذات اللون الأخضر خلال آخر يوم من المرحلة التخييمية الأولى التي كانت تحت شعار "عطلة بنكهة الحياة"، لكن لهيب الشمعة التي تسببت في الفاجعة امتد ليلا ليمس سعادة الوزير، الذي حسب البعض، انشغل بهاجس الكم على حساب الكيف والجري وراء البحث عن تضخيم الأرقام عوض البحث عن تحقيق الجودة، الأمر الذي أدى إلى ما أدى إليه، حتى أن كتابة الدولة في الشباب آنذاك عاشت وضعا مسبقا خلال تاريخها.


فقد ساد في دواليبها، حسب مصادر مطلعة، الفوضى والصراعات بين مختلف هياكل الوزارة، أهمها الصراع الذي دار بين الوزير والكاتب العام، حتى أن الوزير فشل في إزاحة الكاتب العام من منصبه وكذا مدير الشباب والطفولة رغم محاولاته العديدة.


في حين ذهب أحدهم إلى كون الكاتب العام يمثل الوزير الأول إدريس جطو المسؤول الأول عن قطاع الشباب داخل كتابة الدولة، مما جعل الأسئلة عالقة تنتظر حلها، إلى درجة تساءل الموظفون عن المسير الحقيقي لكتابة الدولة، هل الكحص، أم التكنوقراطي جطو من خلال الكاتب العام.


بعض الاتحاديين يرون في الكحص المهدي المنتظر الذي قد يعيد للحزب أمجاده، خصوصا أن دماءه "الوردية" من شأنها أن تشبب الحزب المهدد بالشيخوخة بالرغم من قاعدته الشبابية الواسعة.
أما بعضهم الآخر فيلقبونه بالوزير البوليميكي، لكونه يمتلك بعد نظر خارق، فهو يقضي أوقاتا كثيرة في التأمل، وتأمله ينم عن مخاض عسير داخل وعاء رأسه الذي أخذت فيه بعض الشعيرات سراحها، والمخاض هذا، أنجب عدة مبادرات، من ضمنها، الجامعات الشعبية، العطلة للجميع، زمن الكتاب ومسرح الشباب، غير أن أبواب هذه المشاريع مهددة بالإقفال، خصوصا أن الكحص هو الذي يمتلك مفاتيحها، وبمجرد مغادرته للوزارة، ستصبح عبارة عن انجازات تزخر بها سيرته الذاتية، غير أنه ينفي هذه التكهنات، واصفا إياها بأنها مشاريع وطنية، وسياسة دائمة، مبشرا باستمراريتها في ظل سيادة الوزارة.


وصفه البعض أيضا بالمحظوظ، لا لشيء سوى أنه استوزر بعد أول مشاركة له في درب الانتخابات، فقد انتخب في مدينة الدار البيضاء بتراب عمالة البرونوصي زناتة، ليلج مباشرة إلى عالم الاستوزار، بعد أن عينه الملك محمد السادس كاتبا للدولة في الشباب سنة 2002.


المتعاطفون مع الكحص يرون فيه رجل المبادرات وصاحب المواقف الحاسمة، جريء، لا يتنازل عن إبداء فكرته خصوصا عندما يتم استدعاؤه إلى إحدى البرامج التلفزية ولو اقتدى الحال إتمامها في بعض الجرائد، كما يحبون فيه رؤيته المتجددة، مما يضفى عليه لمسة شبابية تلائم تربعه على عرش الوزارة.
غير أن منتقديه لهم وجهة نظر أخرى في محمد الكحص، فهو من منظورهم، حداثي أكثر من الحداثيين، لا يترك الفرصة تمر دون أن يوجه نقده للإسلاميين، مثلما حصل في برنامج "بوليميك" في القناة الثانية الذي استضافه إلى جانب لحسن الداودي من حزب العدالة والتنمية على إثر نتائج تعزيز إحدى المؤسسات الأمريكية، التابعة للحزب الجمهوري، ومنهم من وصفه بميدان للمصارعة، ففي داخله يتعارك الوزير والصحافي، لكن من سيحظى في الأخير بإعلان سيادته على شخص الكحص؟


ومع أن الكحص، الذي صرح لإحدى المجلات، أن بإمكان أي شاب مغربي أن يصبح وزيرا، فإنه حتما كان مخطئا، فهناك من يقول إن الوزير الصحفي، انطلق في حكمه هذا من تجربته الشخصية، فهو ينحدر من أسرة تازية فقيرة ويضيف: قد تصح النظرية إذا أخذنا بعين الاعتبار تاريخ الرجل، لنقل انه لم يصل إلى مصاف النخبة، إلا لأن المؤسسة الحزبية كانت وراءه، فهو كان قد انخرط في الاتحاد الاشتراكي في سن 14 سنة وأقام بفرنسا لمدة ليست هينة، وأكيد أنه عرف كيف يستغل ذلك التواجد، إذ بمجرد عودته إلى المغرب سنة 1993 انخرط في هيئة التحرير بجريدة "ليبراسيون" الناطقة باسم الحزب، وبعد تسع سنوات من دخوله المغرب، كان بجلبابه وسلهامه الأبيضين في باحة القصر الملكي يقبل يد الملك وهو يقلده مهمة كاتب الدولة في الشباب.


كخلاصة للقول فإن الرجل الشاب يعتبر لبنة أساس تنضاف إلى اللبنات التي وضعها الملك محمد السادس لتشبيب القطاع الوزاري، وأحد أهم الصحافيين بالمغرب، غير انه حسب العديد من المتتبعين لمسار الرجل، فإن عسل الوزارة أنساه حلاوة تعتصر من شهد مهنة المتاعب، ومهما يكن فسواء كان تقييم أدائه بين السلب والإيجاب، إلا أنه لا زال حديث العهد في مجال الاستوزار، وما أدراك ما الاستوزار.


Almichaal Hebdo

المحجوبي أحرضان أمغار الأطلس





Mahjoubi Aherdane 1963

من يراه في شكله وهيئته وهندامه ويستمع للكنته، يستبعد أن الرجل رومانسي إلى حد النخاع، ورومانسيته مستشفة من جبال الأطلس بخرافاتها وأساطيرها، من يدري فقد يكون لديه اعتقاد عميق بأن الكهوف التي تسكن جبال الأطلس لا تزال تختزن صدى صرخته الأولى التي أعلنت عن ميلاده في قبيلة الزبا بوالماس سنة 1921، فتارة يرمي بنفسه في عمق الحلم دونما حاجة إلى طوق نجاة، وتارة أخرى يعيش ذكرياته المختزنة في دواخله، فقد رفض أن يكبر أو يشيخ، فاهتدى للرحيل إلى حيث لا يدركه الليل ولا تلحقه الشيخوخة، حيث طاف إلى جانب العديد من رموز الفن المغربي أمثال فريد بلكاهية، الراحل محمد القاسمي، الراحلة الشعيبية، بنيسف المليحي، وآخرون، في تجربة عبر كثير من العوالم والمدارس الفنية ليستفرد بأسلوب خاص في مداعبة الريشة ومزج الألوان، فقد عرض صاحب الجذور الأمازيغية الذي فقد شعره في سن مبكرة، في معظم عواصم العالم، ليكتشف في آخر المطاف أنه فنان عصامي، احترف السياسة والفن.

فرغم أنه يحرص في مناسبات عدة على لباس الجلباب التقليدي الذي لا يتعدى الساقين، إلا أن
طفولته تحرض شغبها لمعاركة كهولته، لذا فكثيرا ما تساءل المتتبعون عن مدى قدرة عميد السياسيين بالمغرب على الاستمرار في قيادة حزبه.

انخرط المحجوبي أحرضان خلال أولى نشاطاته في مقاومة الاستعمار الفرنسي، ليصبح في وقت وجيز عضوا في المجلس الوطني للمقاومة، ثم مسؤولا في جيش التحرير، أغلب الصور المعتقلة في ألبوماته والتي يخضعها للحراسة الشديدة لحساسيتها، تبرزه إلى جانب الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، مرة يمشي بأنفة إلى جانبهما، ومرات أخرى تقتنصه عدسات الكاميرات في وضع الخادم الأمين خلف الحسن الثاني، غير أن صورته التي تبرزه بمسدسه على طريقة "المافيا" الإيطالية رفقة عبد الكريم الخطيب الذي يتأبط بندقيته خلف الراحل الحسن الثاني، بزيه العسكري، ترسم لوحة انطباعية على أن الرجل (أحرضان) كان مقربا من دائرة الحكم.

رفقة عبد الكريم الخطيب، استطاع المحجوبي أحرضان أن يؤسس لتجربة حزبية جديدة بالمغرب، في إطار سياسي لا يخلو بالدرجة الأولى من السعي إلى منافسة حزب الاستقلال الذي استطاع الهيمنة على النخبة والشارع بالمغرب آنذاك، ليتمكنا في الأخير (أحرضان ـ الخطيب) من تأسيس حزب "الحركة الشعبية" الذي حصل على الاعتراف القانوني في فبراير 1959. إلا أن الخلاف حول الزعامة بينهما تفجر سنة 1966 لتنقسم الحركة إلى حركتين، كل منهما يدير قطب رحاها كيفما يشاء، استفرد أحرضان بقيادة الحركة الشعبية، فيما أخوه في السياسة شكل حركة أخرى (الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) سنة 1967. قيل إن أحرضان أو الشخصية السياسية المثيرة للجدل كان ضابط صف في الجيش الفرنسي، غير أن أحمد البخاري وصفه بمحدود التعليم، فهو حسب قوله لم يحصل في حياته إلا على "دبلوم" واحد، هو عبارة عن شهادة الدروس الابتدائية في سن الثامنة عشرة، إلا أن تجربته وخبرته قادتاه إلى تحمل مسؤوليات جسام في سن مبكرة، فقد عينه الراحل محمد الخامس سنة 1956، عاملا على مدينة الرباط، كما شغل منصب قائد منطقة أولماس، غير أن سنة 1961 شهدت ذروة مسار أحرضان الذي سطع نجمه بتعيينه وزير الدفاع الوطني، بعد ذلك بسنتين سينشئ قيدوم السياسيين بالمغرب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية، ثم عرّج إلى اتجاه آخر حين عينه الراحل الحسن الثاني وزيرا للفلاحة.
هكذا حين تغوص في سيرة الرجل، تخاله مثقلا متثاقلا، بالكاد يحسب خطواته، أوقد ترتسم لديك صورة عنه وهو يحمل حقائب مختلفة الأحجام والأوزان، حيث تكلف بحقيبة الدفاع والفلاحة والتعاون، لكنه ارتبط كثيرا بحقيبة البريد، أما خلال قيادته الحزبية، فقد اختار للتميز شعار الدفاع عن الهوية والثقافة الأمازيغيتين، لكنه حسب العديد من الملاحظين، ظل هذا الخيار مجرد شعار فقط، ذلك أن النشطاء الأمازيغيين يؤاخذون على المحجوبي أحرضان تسييسه للقضية الأمازيغية لجني مكاسب انتخابية ليس إلا.
ولا ينفي أحد أن أحرضان أمازيغي المنبت والهوية والثقافة، وتجلى ذلك من خلال عناوين لوحاته التي رفعته إلى مستوى العالمية، فقد سمى بعضها بـ "تافسوت" "تافوس"، "تاغزوت"، "أكراو نفسا" "فلوحة أكلمان"، " أمناري نورجس"، "أفري تهيرا"، " أفراو نتوكا"، تايورت"، وأخريات جعلت النقاد العالميين يصنفون أعماله ضمن مدارس واتجاهات مختلفة، لقد كانت له سلطة واسعة في التحكم في اللون والضوء والزوايا داخل إطار لوحاته ذات الاتجاه الفطري، وهي السلطة التي امتدت لتحتكر الحزب (الحركة الشعبية)، فقد صعد إلى هرمه وتربع في برجه العاجي وأصبح يراقب الأشياء عن بعد، فهو الذي يترأس المؤتمرات والمجالس الوطنية وأمين المال، والمتحدث والمفاوض باسم الحزب وممثله لدى السلطات، غير أن هذا الاحتكار ولّد صراعات داخل دائرة حزبه ليتعرض لوابل من الانتقادات من الذين اعتبرهم دائما أبناءه البررة، لينعتهم بـ "المسخوطين"، فأبعد الكثير من رواد "الحركة" إلى أن بلغ سيل أحرضان الزبا حسب تعبير بعضهم، ليتم في الأخير إبعاده سنة 1986 من "الحركة الشعبية"، ليقود سفينتها بعده امحند العنصر ومن معه، إذن أجبر المحجوبي أحرضان على مغادرة الحزب، منهم من قال إن السبب يرجع إلى هيمنته الأخطبوطية على قرارات الحركة، ومنهم من قال إن السبب راجع لالتقائه في منتصف الثمانينيات بدانييل زوجة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، التي صرحت في أكثر من مناسبة بدعمها لجبهة البوليساريو، إذ كانت الصدمة قوية في نفسية أحرضان، جعلته يطلق العمل السياسي ليختفي عن الأنظار، لكن الراحل الحسن الثاني سمح له بالعودة لممارسة هوايته (السياسية)، حيث أسس حزبا جديدا سنة 1991 (الحركة الوطنية الشعبية) بمدينة مراكش، إلا أنه بحنكته وتجربته الطويلتين استطاع أن يجلب إليه إضافة إلى الموالين، مجموعة من العناصر التي خاب ظنها في أسلوب "العنصر" خلال إدارته لشؤون حزبه (الحركة الشعبية).

قيل إن أحرضان لما تم إبعاده سنة 1986، هدد باللجوء إلى القضاء لاسترجاع كرسيه "المسروق"، إلا أنه سرعان ما تنازل عن دعوته، خصوصا لما استقبل الراحل الحسن الثاني القيادة الجديدة للحركة الشعبية تحت زعامة الشاب امحند العنصر، مما أضفى نوعا من الشرعية عليها.

أحرضان الذي يبحر الآن في عقده الثامن، لعب الزمن بملامحه وفرائصه فصار نحيل الجسم، غائر العينين، فلم يعد يقوى على التحكم في حركات يديه، ويبدو أنه فقد ما تبقى من شعره ثم كلما تحدث إلا ومالت شفته السفلى ناحية الشمال، فرغم أنه تغير كليا على أحرضان "زمان"، إلا أن ابتسامته لا زالت تختزن " سره"، وإن كان قصير القامة، لا يفارق جلبابه وعمامته، مما يضفي عليه طابع الأمازيغي القح، أو "أمغار الأطلس" كما يحلو للبعض أن يلقبه، لكنه حين يرتدي بذلته الرسمية يبدو إنسانا آخر يفيض شبابا وحيوية، فكما أنه يتحكم في أشياء عديدة، إلا أن اللغة العربية تخونه، فيجد نفسه منطلقا بلغته الأم (أمازيغية الأطلس المتوسط)، لكن السؤال الذي يطرحه البعض، هل يجيد أحرضان الكتابة بحروف "التيفناغ" الضاربة في عمق الزمن، وهو بالمقابل يجيد اللغة الفرنسية، وله تعابير ومصطلحات شهيرة تروج في الأوساط السياسية.

محبوه وأتباعه يرون في الرجل الذي تجاوز الثمانينات، السياسي المحنك الذي جايل كبار الشخصيات السياسية بالمغرب، والفنان الذي رسم لنفسه صورة أخرى غير التي تتداولها وسائل الإعلام، والموحد الذي جمع شمل الحركات (الحركة الشعبية، الحركة الوطنية الشعبية، الاتحاد الوطني) في شكل اتحاد للحركات الشعبية، صارم حين يجد نفسه في وضعية الهجوم، ومراوغ حين يضطر للدفاع عن توجهاته الفكرية والسياسية.

أما خصومه ومنتقدوه فيرون فيه صورة رجل عرف من أين تؤكل الكتف، والأمازيغي الذي امتطى صهوة "الأمازيغية؟ في مشهد "فنتاستيكي" لتسييسها ونيل مكاسبها، ومنهم من يرى في المحجوبي الذي أضفى على رسوماته "ألوان "أحرضانية" أن يتفرغ لها (لوحاته) تاركا السياسة للسياسيين والزعامة للزعماء.

ومنهم من خاب ظنهم فيه اعتبارا لرمزيته حين تم التفويت له بـ 300 هكتار من أراضي صوديا بوالماس، أو "الأوداية بالرباط" القريبة من "فيلته،" أما البعض منهم فيستبعد كليا أن يقود شيخ السياسيين الحكومة المنبثقة من استحقاقات 2007.

ومع كل هذا وذاك فإن المحجوبي أحرضان، أو أمغار الأطلس، الذي يجعل حصان الفن يصهل في لوحاته، يبقى إحدى الواجهات اللامعة في المشهد الفني بالمغرب، غير أن عالم الفن يختلف عن عالم السياسة، فمن المفترض، بل من الأكيد أن يعتزل العمل السياسي ويتفرغ لمذكراته التي مما لا شك أنها ستؤرخ لمرحلة هامة في تاريخ المغرب، إلا أن المخاض الذي تعيشه الحركتان داخل "الحركة" يضع أحرضان في الواجهة، داخل دائرة الضوء، وإن كان هناك من يسعى لإزاحته منها، خصوصا بعدما فقد كثيرا من شعبيته المعهودة وعدد أصواته، لا سيما نظرة الشبيبة الحركية له، التي ترى فيه"امتداد المخزن القديم"، وبالتالي لم يعد يستطيع أن يقود سفينة حزب سياسي له توجهات والتزامات مرحلية في بحر "عهد جديد".


ALMICHAAL HEBDO

محمد اليازغي الذي يهوى الابتسامة في حضرة الأميرة لالة حسناء






محمد اليازغي وزير البيئة الاشتراكي
الذي يهوى الابتسامة في حضرة الأميرة لالة حسناء


قد يعتبر حياته مجرد هبة حباه الله بها، خصوصا أنه الوزير الوحيد في المغرب الذي عاش تجربة الموت، إن لم نقل ذاق سكراتها، ليعود منها محملا بألبومات من الصور الغريبة لعالم الأموات الذي وقف على مشارفه، بعدما سعى إلى تحقيق أحلامه "الوردية" في مغرب السبعينيات، فبعد إعدام العقيد أمقران ومن معه ليلة عيد الأضحى سنة 1973 بأولاد برجال (ناحية القنيطرة) في قضية ما سمي بـ "الطائرة الملكية"، تلقى محمد اليازغي رسالة ملغومة في مدينة الرباط، قيل إنها كانت مجهولة الهوية، إلا أن اليازغي (38 سنة) الذي كان مفعما بحب الاكتشاف والمغامرات ، أصر على فتحها والإطلاع على ما بداخلها، من يدري فقد تحمل أخبارا عن الرفاق الذين تطاردهم آلة المخزن آنذاك، لكن ما إن فتحها حتى أنفجر الطرد الملغوم بين يديه ليجد نفسه وسط بركة من الدماء، آنذاك استنفر الأطباء كل قواهم لإنقاذ محمد من موت محقق، قيل إن العملية الجراحية استمرت عدة ساعات لترتيب أحشائه وبعض أطرافه، وبالرغم من كونه يعيش فترة نقاهة، لم يشفع له خضوعه للعلاج في الأشهر الموالية، إذ اعتقل في يونيو من نفس السنة ليجد نفسه واقفا في قفص الاتهام بعدما قدم للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية بالقنيطرة، ومن بوابة السجن اقتيد إلى مدينة إفران حيث طبقت في حقه الإقامة الجبرية إلى أن أطلق صراحه سنة 1974.

ولد محمد اليازغي الذي قدر له أن يعيش مرة ثانية في 28 شتنبر 1935 بمدينة فاس، المعلومات التي تحدثت عن طفولته قليلة جدا، إلا أن ما عرف عنه هو أنه درس الابتدائي بمسقط رأسه، وكان مميزا بين أقرانه مما جعله يحصل على الشهادة الابتدائية بامتياز، وهنا شاءت الظروف أن يحمل الطفل محمد حقائبه وكتبه ليغادر فاس، نحو مدينة يختلف ماؤها وبيئتها وكذا ترابها عن جغرافية فاس التي جرى بين أزقتها الضيقة، وعارك أقرانه في ساحاتها العتيقة، لتكون وجهته إعدادية مولاي يوسف بالرباط، التي فتحت له الباب على مصراعيه للولوج إلى ثانوية "كوطو" مباشرة بعد نفي الملك محمد الخامس بسنة، أخذ الحماس يتدفق في أوردة اليازغي لمعانقة المحتجين والصارخين ضد الاستعمار، فما أن وصل السادس عشرة من عمره حتى انخرط هذا الشاب في العمل السياسي، ليضم صوته إلى باقي الأصوات الصادحة في سماء المغرب آنذاك، وفي سنة 1954 انخرط في حزب الاستقلال إلى جانب قياديي الحركة الوطنية، وفي طليعتهم المهدي بنبركة الذي كان اليازغي معجبا به كثيرا، وكم حلم بأن يصبح مثله، لكن "كل إناء بما فيه ينضح" كما احتك بأبرز رموز الحركة التاريخيين، ولا سيما عبد الرحيم بوعبيد، وصف البعض رأسه بورشة تحمل في داخلها آلات ميكانيكية، بها مسننات تدور في سرعة خيالية، لذا فمحمد حسب البعض يحسب ألف حساب قبل أن يخطو خطوة واحدة، فبعد أن لاك الفكرة جيدا، وجدها فرصة مناسبة لتلميع اسمه، ليشارك دون تردد مع الزعماء في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، وعمره 24 سنة، جل الذين يعرفون اليازغي أجمعوا على أنه لا يدع الفرصة تفوته للرد على منتقديه، خصوصا أولئك الذين يعكرون صفاء مياهه ويلوثون بيئته المزينة بالورود الشائكة، لذا كان رد فعل اليازغي قويا، بعدما هاجمه إدريس البصري عبر "تصريحاته اللاذعة" بين صفحات الجرائد الدولية والمحلية، مشيرا إلى "رداءة اليازغي" ومتهما إياه بكون هذا الأخير قدم شيكا على بياض لإبقاء اليوسفي في مدينة "كان" الفرنسية مقابل حصوله على حقيبة وزارة الخارجية،وعلى منصب نائب للوزير الأول في حكومة التناوب عام 1994، التي كانت عبارة عن مشروع فقط لم يكتب له النجاح، والتي كان من المحتمل أن يرأسها الاستقلالي أمحمد بوسته، كما قيل إن اليازغي حاول جاهدا أن ينقل صراعه مع إدريس البصري إلى أجهزة الحزب ليبين أن الحزب هو المستهدف الأول من هذه الحملة العدائية، وأن الكاتب العام الجديد الذي خلف اليوسفي، هو المدافع عن القيم الاتحادية، حتى أن البعض نفى هذا الاعتقاد، مستدلا بأن إدريس البصري وصف حزب الاتحاد الاشتراكي بحزب الأمل والجماهير، وصرح قبيل الانتخابات التشريعية (1997) بأنه سيصوت لصالحه، مما دفع بعض المحليين إلى تشبيه العلاقة بين اليازغي والبصري بالصراع الكلاسيكي بين القط والفأر، خصوصا أن هذه العلاقة (اليازغي ـ البصري) كانت مشوبة بالتوتر في عدة محطات متفاوتة، أبرزها سنوات التسعينيات من القرن الماضي، بعدما فشلت المفاوضات بين القصر والكتلة حول إقامة حكومة التناوب الأولى بسبب رفض اليازغي الاشتغال إلى جانب الوزير القوي آنذاك إدريس البصري، ثم هناك محطة أخرى داخل حكومة التناوب التوافقي، حيث كان اليازغي يرمز لشخص البصري بجيوب مقاومة التغيير، إلا أن عدم مشاركة اليازغي في حفل التكريم الذي أقامه الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي بمنزله لتوديع الوزير المخلوع، بين بالملموس العداء الدائم والتاريخي بين الطرفين، لكن ما لم يستسغه إدريس البصري هو تصريح الرجل الأول في الاتحاد الاشتراكي الذي أشار من خلاله إلى كون المخزن قد مات على خلفية إقالة إدريس البصري.

فرغم أن نظراته الثاقبة تنم عن رؤية واضحة إلى الأمام، إلا أنه يهوى تسريح شعره الذي اكتسحه البياض إلى الخلف، ويسعى كلما وجدها فرصة إلى الظهور بمظهر المناضل الذي يختزل تاريخ المغرب الحديث، أسمر البشرة فيما شفتاه البارزتان تميزان وجهه العريض الذي حفرت فيه التجاعيد أخاديدا عميقة، إلا أنه لا يزال يحمل داخله الطفل والشاب معا، فمحمد اليازغي الذي توج كاتبا أولا لحزب الاتحاد الاشتراكي بعدما قدم عبد الرحمان اليوسفي استقالته، هو أحد المؤسسين للقوات الشعبية، كما خاض معارك طاحنة من أجل الحفاظ على هويته وخياراته، وشارك في جميع مؤتمراته وعانق مناضليه بمختلف الفروع، حتى أن أحد الاتحاديين وصفه بالسندباد المغربي لكثرة تجواله، فلا توجد منطقة في المغرب لم تطأها قدمه، ولم يصدح فيها صوته.

فبعد حصوله على شهادة الباكلوريا من ثانوي"كوطو" انتقل إلى معقل شياطين الشعراء (باريس)، هناك تابع دراسته بالمدرسة الوطنية للإدارة، كما أنه حاصل على الإجازة في الحقوق من كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية بالرباط، الأمر الذي جعله يمتهن المحاماة قبل أن يتقلد مهام رئيس مصلحة الميزانية والتجهيز بوزارة المالية، وفي سنة 1975 اقتحم اليازغي عالم الصحافة ليشغل منصب مدير يومية المحرر إلى حدود سنة 1981، لقد شغل عدة مسؤوليات إلى جانب مسؤولياته الحزبية، ومنها مهمة الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ما بين 1977 و 1993، ومدير يومية "ليبراسيون" الناطقة باللغة الفرنسية، فعكس جل الوزراء في حكومة التكنوقراطي إدريس جطو فاليازغي هو الوحيد الذي بطشت به يد المخزن القوية إبان حكم الراحل الحسن الثاني، فقد ذاق مرارة السجون، وتعرض للتعذيب والتنكيل في زنازن الموت الباردة واعتقل رفقة العديد من المناضلين، وزج به في السجن في الذكرى الأولى لاختطاف المهدي بنبركة، وعلى إثر هزيمة يونيو 1967 اعتقل اليازغي بتهمة التعبئة الشعبية، ليقضي سنة بالسجن دون محاكمة ثم قضى سنة أخرى (1970) بين سجني مراكش والرباط.

إلا أن شتنبر 1981 شكل منعطفا آخر في تاريخ قيادة الاتحاد الاشتراكي، إثر البيان الذي أصدره المكتب السياسي حول قضية الصحراء، الأمر الذي أزعج "المخزن" الذي سارع إلى اعتقال الكاتب الأول للحزب " عبد الرحيم بوعبيد" و "محمد الحبابي" وكذا " محمد اليازغي" ليحكم عليهم بالسجن سنة واحدة، قضوا نصفها بسجن ميسور قبل أن يتم إطلاق سراحهم.

أتباع اليازغي ومناصروه، يرون فيه رجل المواقف الحاسمة، فهو من منظورهم لا يخشى في الحق لومة لائم. جريء، صارم، ولا يدع الفرصة تفوته دون إبداء رأيه في أمور تتعلق بالوطن، فهم يحسبون له حسنة المصادقة على الميثاق الوطني لإعداد التراب الذي جاء بعدما شهد القطاع الذي أشرف عليه (وزارة إعداد التراب والسكن والتعمير والبيئة "حكومة 1998") حوارا وطنيا شاركت فيه عدة فعاليات سياسية ومدنية، غير أن للطرف الآخر وجهة نظر أخرى، فهم يرون أن مؤسسة الكاتب الأول للحزب في عهد اليازغي، لم تعد بالقوة التي كانت عليها في عهد عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي، فهو من زاويتهم برغماتي، فقد كان دائما طرفا رابحا في الصراع داخل البيت الاتحادي، الذي أفرز عدة تنظيمات يسارية (الوفاء للديمقراطية، الطليعة، المؤتمر الوطني الاتحادي...) كما اتهموه بالتضييق على اليوسفي بإنشائه لتيار مضاد شتت الحزب إلى نصفين، الأمر الذي جعل اليوسفي يتنازل عن منصب الكاتب العام بتقدميه الاستقالة، إلا أن للأصوليين كلمة ولا يخشون ترديدها لتصدح بها المسامع، لكن ما لم يكن يتوقعه اليازغي هو محاولة تنظيم أنصار المهدي اختطافه إلى جانب كل من فتح الله ولعلو ومحمد الكحص،وعمدة سلا.

لكن في مشهد ساخر، أصر محمد حصار والي جهة طنجة تطوان في صيف (2005) على السباحة رفقه عامل الإقليم وعمدة المدينة بشاطئ طنجة لتكذيب ما أوردته تقارير صادرة عن وزارة "اليازغي" التي صنفت شاطئ طنجة ضمن قائمة الشواطئ الملوثة بالمغرب.

وخلافا لما قيل فمحمد اليازغي الذي عينه الملك محمد السادس وزيرا لإعداد التراب الوطني والماء والبيئة، يظل رغم قامته القصيرة أحد الأعلام الشامخة في سماء المغرب الذي عرف كيف يحقق مشروعه البعيد المدى، فهو دائم الابتسامة خصوصا في حضرة الأميرة لالة حسناء التي تهتم بالبيئة والشواطئ النظيفة، كما أن هناك من يروج لإمكانية تربع اليازغي على عرش الوزارة الأولى خلفا لـ "مول الصباط"، إلا أن البعض يرى أن الوزارة الأولى لن تنفلت من يد التيكنوقراط

عن "المشعل"