الخميس، 17 ديسمبر 2009

سعاد ولد غزالة شاركت زوجها الفقيه البصري في مساره





سعاد ولد غزالة شاركت زوجها الفقيه البصري في مساره

شاركت سعاد ولد غزالة زوجها الراحل الفقيه البصري في محنته وفي دروب مشواره النضالي الطويل بكل مصائبه وأهواله، بأحكامه بظلمه بغربته القاتلة وبكل المخاطر التي حامت به على امتداد سنوات عديدة، وكذلك فعلت عيشة زوجة الشهيد المهدي بنبركة.

قاسمته كل شيء وشاركته في السراء والضراء والحلوة والمرة، ووقفت إلى جانبه بكل قناعة ومحبة وصبر ووفاء، وعاشت معه الغربة والمعاناة وما تعرض له من أحداث ونوازل على امتداد حياته الكفاحية، على امتداد 3 عقود.

كانت سعاد ولد غزالة، كثيرا ما تردد، حتى في الظروف القاسية، البيت الشعري القائل: "بلادي وإن جارت علي عزيزة، وأهلي وإن ضنوا علي كرام".

كانت تجربة سعاد ولد غزالة قاسية وغنية بفعل ثبات الراحل الفقيه البصري على مبادئه، والمضي بالتضحية بحياته، مؤمنا بالقضايا الوطنية والعربية والإسلامية، ومما كان يروح شيئا من ثقل المحنة على رفيق دربه الفقيه البصري، إحاطة العائلة، في الغربة، بالعناية والاهتمام من كل جانب والاستقبال الحار وأحسن الكرم، إذ رأوا فيه وعائلته مثالا للوطنية والنضال والكفاح والثبات على المبادئ.

شاركته في انتفاضته ضد الواقع القائم وتصديه للمسؤولين عنه، راضية مرضية، لأن الظرف كان وقت نضال وتضحية.

okdriss

سعيدة المنبهي امرأة أحبت الضوء





سعيدة المنبهي امرأة أحبت الضوء
شهيدة الحرية والكرامة


انتصبت كالجلمود مناضلة وسقطت شهيدة دفاعا عن الكرامة متصدية الظلم والاستبداد، مجردة من أي سلاح ما عدا حلمها بغد أفضل.

تعتبر سعيدة المنبهي أول شهيدة عربية في إضراب عن الطعام دفاعا عن الحق. وظلت رمزا للتضحية والصمود في ذاكرة الشباب والطلبة المغاربة وملهمة لنضالاتهم ونضال نشطاء اليسار، نعتها الشاعر عبد الله زريقة بـ "امرأة أحبت الضوء".

في وقت خيم فيه القمع الأسود وساد الاستبداد انتفضت سعيدة المنبهي ضد النظام القائم وصرخت بأعلى صوتها في وجه المخزن بأعلى صوتها، معية رفيقاتها فاطمة عكاشة (أول مهندسة كهربائية بالمغرب) وربيعة لفتوح (التلميذة الطنجوية المختطفة في عمر الزهور) والسيدة بييرادي ماجيو، الإيطالية المساندة والمدعمة لمناضلي الحركة الماركسية اللينينية بالمغرب والمتعاطفة معهم، كلهن صرخن رافضات الظلم والاستغلال مؤمنات بضرورة التضحية من أجل غد أفضل.
وكانت قد فضلت إبعاد "بييرا دي ماجيو" وتنقيلها إلى إيطاليا مباشرة، بعد المحاكمة تلافيا لأية شوشرة.


مهما طال الليل ستكبر إرادة التغيير


مناضلة نشيطة في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أ.و.ط.م) والاتحاد المغربي للشغل (إ.م.ش) والمنظمة السرية "إلى الأمام"، كانت سعيدة المنبهي مؤمنة حتى النخاع بأن مهما طال ليل المأساة واشتدت ضربات الجلاد وارتفعت أسوار السجون وضاقت زنازنها، ستكبر إرادة المناضلين المخلصين لطرد الظلام من أوردتهم وزوايا دروبهم، ستتقوى ظهورهم وتحيل سياط الطغاة خيوط حرير، وستحول جدران الزنازن إلى معابر آمنة نحو آفاق الحرية، حرية الكلمة والأرض والوطن والإنسان.
وكانت سعيدة المنبهي شاعرة كذلك، كتبت شعرها بالدم، ضمّنته آهاتها وكللته بالحلم والهم. لم تكن تولي أي اهتمام للموضة والمظهر على غرار قريناتها في عمر الزهور.. ما عرفت أحمر شفاه ولا زينة ولا عطورا، همها كان واحدا لا ثاني له، قضية شعب مقموع منهوب مظلوم لكنه مستكين.. ونساء كن يشقين ويتعبن ويقمعن.. لكن لا يرفعن أصواتهن إلا لاثنتين: زغرودة في عرس أو ولولة وصرخة في مآثم.. وما أكثر المآثم في وطن الآلام والسجون والقمع والاختطاف والاغتيال في مغرب سنوات الجمر والرصاص..

ظلت الشابة سعيدة المنبهي (21 ـ 24 سنة) تتأمل واقعَ فلاّحي وطنها المكلوم.. يتعبون، يعرقون، يزرعون أرضا لا يملكون فيها شبرا رغم أن الاستعمار نهبها أصلا من أجدادهم ليستولي عليها المخزن والخونة المحيطون به والموالين له وخدامه بعد مؤامرة "إيكس ليبان" التي قيل إنها فاتحة استقلال وبداية الحرية والبناء ورفاهية الإنسان.
وعاينت الشابة سعيدة المنبهي العمال يبنون ويشيدون وينتجون، لكن لاحظ لهم في المكاسب والمغانم..


صرخت.. يا شعبي تحرر.. فسجونها


بعد هذا التأمل صرخت سعيدة المنبهي: يا شعبي تحرر.. فسجنوها، ومن كل أصناف العذاب والتنكيل أذاقوها، وما تبرأت من قناعاتها.. لرد فعل الشعب انتظرت.. لكن لا حراك للشعب المسكين المشغول باللهث وراء لقمة عيش مرّة، هذا في وقت زرعوا الرعب في أبنائه من الشيخ إلى الجنين، رغم ذلك عاشت سعيدة المنبهي فتاة ثائرة حرة وماتت شهيدة.

إسوة برفاقها ورفيقاتها دخلت سعيدة المنبهي في إضراب عن الطعام لفرض تعيين تاريخ المحاكمة في ظرف اختاره المناضلون رغم أنف المخزن، وخرجت منه سالمة بعد تحقيق الانتصار، ثم خاضت إضرابا ثانيا لا محدودا ابتداء من يوم 8 نوفمبر 1977 وبلغت يومه الـ 34 للمطالبة بالاعتراف بصفة المعتقلين السياسيين وتحسين ظروف الاعتقال وفك العزلة، وهو الإضراب الذي دام 45 يوما، نقلت في يومه الرابع بعد الثلاثين إلى مستشفى ابن رشد بالدار البيضاء يوم 11 دجنبر 1977 لتفارق الحياة بسبب الإهمال، سيما وأن الظرف تزامن مع عيد الأضحى. لقد استشهدت سعيدة المنبهي في سن الزهور وعمرها لا يتجاوز 25 ربيعا لتصبح رمز المرأة المغربية المناضلة للحفاظ على الكرامة، من أجل غد أفضل.

في ليلة 10 دجنبر 1977 الباردة، كانت سعيدة المنبهي تحترق من أجل كرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم، رغم أن المخزن زج بها في غياهب السجن.

من وراء القضبان الحديدية الصدئة وخلف الأسوار الإسمنتية العالية استرخصت الشهيدة سعيدة المنبهي حياتها ضريبة لقناعتها بضرورة جلاء الظلم والاستبداد إلى الأبد عن الوطن.

تقول والدة الشهيدة، السيدة الهيلالي: "كنت أحاول لقاء سعيدة بالمستشفى طيلة وجودها هناك، لكن دون جدوى، رغم ذلك أصررت على لقائها.. استعطفت المسؤولين إلى أن سمح لي بعضهم برؤيتها عبر شباك صغير.. لازلت أذكر لقاءها الأخير ليلة استشهادها.. قالت لي: "تشجعي يا أمي، إنني لن أتنازل عن إيماني وقناعاتي.. لقد اتفقت مع رفاقي على حل الإضراب لأن وضعيتي الصحية لا تسمح لي الآن بالاستمرار فيه.." فقبلت يدي وقلت لها: "سأحاول رؤيتك غدا.. عدت صباح يوم الغد ومعي بعض الطعام والملابس لكني وجدت أمامي نَغْيَ الاستشهاد..".

في خضم سنوات الجمر والرصاص اختطفت الشابة سعيدة المنبهي سنة 1976 واحتجزت بالمعتقل السري، درب مولاي الشريف، بالدار البيضاء، وبالضبط يوم 16 يناير بمعية ثلاث مناضلات مكثن بالمعتقل السري 3 أشهر، وهناك تعرضن لأبشع العقاب، التعذيب الجسدي والنفسي قبل تنقيلهن إلى السجن المدني بالدار البيضاء.

هناك تعرضت للتنكيل على أيادي جلادين غلاظ لا يتقنون إلا تعذيب أبناء الشعب. في قلب السجن ظلت سعيدة المنبهي وفية لمبادئها وقناعاتها، ولم تقو ظروف الاعتقال القاسية أن تنسيها الاهتمام بمحنة الشعب وقضاياه، وكلفت نفسها بتتبع وضعية السجينات وقضية المرأة، إذ كتبت دراسة قيمة من وراء القضبان تعرضت فيها للدعارة والرذيلة والرشوة والفساد من زاوية ارتباطها بالنظام السياسي القائم بالمغرب والذي ظل وقتئذ يعمل على نشرها وتشجيعها في ظل سلطة لا وطنية يعاني فيها الشعب من البؤس والشقاء، وذلك بعد أن تلقت شهادات عشرات النساء قذفت بهن الظروف وراء القضبان.

حوكمت سعيدة المنبهي مع مجموعة أبراهام السرفاتي بخمس سنوات سجنا نافذا زائد سنتين بتهمة الإساءة إلى القضاء الجالس، وخلال هذه المحاكمة انتفضت ضد انتهاكات حقوق الدفاع، وبذلك ساهمت بمعية رفاقها في قلب الكفة، فأصبحت محاكمة للنظام القائم عوض محاكمة معارضيه والمنتفضين ضده والمتصدين لتجاوزاته.

أثناء جلسات المحاكمة بالدار البيضاء ضمن مجموعة 138 (التي ضمت أبراهام السرفاتي وإدريس بنزكري وصلاح الدين الوديع وعبد القادر الشاوي) في 1977، عبرت سعيدة المنبهي عن مساندتها اللامشروطة لحق تقرير المصير وأدانت بشدة الوضعية المأساوية لنساء المغرب والاستغلال وقتئذ، وبالسجن المدني بالدار البيضاء فُرِضت عليها بمعية رفيقاتها فاطمة عكاشة (زوجة الصافي أحد معتقلي المجموعة آنذاك) وربيعة لفتوح (خطيبة محمد السريفي معتقل هو أيضا ضمن المجموعة) العزلة التامة.


عائلة مناضلة


تنحدر سعيدة المنبهي من عائلة مناضلة، إنها شقيقة عبد العزيز المنبهي، الرئيس السابق للاتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد المؤتمر 15 المنعقد في غشت 1972 والذي أقر لأول مرة بأن القضية الفلسطينية قضية وطنية.

وقد تعرض هو أيضا للاختطاف سنة 1973 وتعرض لأنواع شديدة من التعذيب مازالت رواسبها ظاهرة عليه إلى حد الآن، وبعد الإفراج عنه اضطر إلى مغادرة المغرب في نونبر 1977 ولم يعد إليه إلا في سنة 1994.

كما اعتقل عزيز الوديي، زوج شقيقة سعيدة، (خديجة المنبهي)، في شتنبر 1972 وحوكم بـ 10 سنوات سجنا نافذا قضاها كاملة بين سجن غبيلة بالدار البيضاء والسجن المركزي بالقنيطرة رفقة أمين عبد الحميد وأحمد حرزني وعبد اللطيف اللعبي وأنس بلفريج وسيون أسيدون وآخرين، وذلك بتهمة المس بأمن الدولة.

بعد حصولها على الباكالوريا بثانوية أبي العباس السبتي بمراكش سنة 1977، التحقت بكلية الآداب الرباط، شعبة الأدب الإنجليزي، ثم التحقت بعد سنتين بالمركز التربوي الجهوي للتخرج أستاذة بالسلك الأول، ودرست مادة الفرنسية بإعدادية الخوارزمي بالرباط، آنذاك ناضلت في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب (أ.و.ط.م)، ثم الاتحاد المغربي للشغل قبل الالتحاق بالمنظمة الماركسية اللينينية السرية "إلى الأمام".

ولدت سعيدة بأحد الأحياء الشعبية، رياض الزيتون، بمدينة مراكش، قضت طفولتها بنفس الحي، تقول عنها والدتها: "لم أجد صعوبة في تربيتها، كانت متواضعة، مجتهدة، تطالع باستمرار، تحب الأطفال، وكانت دائما وهي في طريقها إلى البيت، تصحب معها الأطفال الرعاة قصد إطعامهم، وبدورهم كانوا يعترضون طريقها ليقدموا لها الزهور".

وتضيف والدتها: "خلال زياراتي لها بالسجن كانت سعيدة تردد رغم كل الحواجز المفروضة.. إنني هنا يا أمي من أجل العيش الكريم لشعبي.. إن معنوياتي عالية باستمرار.. إن المستقبل لضحايا الاضطهاد الطبقي والاستبداد السياسي.. إنني لا أخاف القمع.. إنني أومن بقضيتي، قضية كل الجماهير".


إدريس ولد القابلة

السرفاتي مناضل..لكن ..؟





السرفاتي مناضل..لكن ..؟
غشت 2003

قضية ابرهام السرفاتي ظلت قائمة على امتدد ما يقارب عقدين، منذ اعتقاله في منتصف السبعينات إلى حدود تعيينه مستشارا بجانب المديرة العامة لمكتب الأبحاث والاستمارات البترولية.

وابرهام السرفاتي من مواليد 16 يناير 1926 بالدار البيضاء وهو خريج المدرسة العليا للمعادن بباريس. بدأ عمله في غضون الخمسينات بمنام الفوسفاط التابعة للمكتب الشريف للفوسفاط إلى أن تولى سنة 1958 منصب مدير ديوان كاتب الدولة للإنتاج الصناعي والمعدني، وبعد ذلك كلف بمهمة في ديوان عبد الرحيم بوعبيد حينما كان وزيرا للاقتصاد الوطني.

في فجر السبعينات شارك السرفاتي في تأسيس الحركة الماركسية اللينينية المغربية وهو يشغل منصب مدير الدراسات بالمدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط. وعلى إثر الاعتقالات الأولى سنة 1972 والتي استهدفت مجموعة من مؤسسي الحركة المذكورة من ضمنهم عبد الحميد أمين وعبد اللطيف اللعبي وسيون اسيدون وبلافريج ( ابن مستشارالملك الحسن الثاني آنذاك) واحرزني وأفقير علي وآخرين. اضطر السرفاتي إلى العمل في السرية إلى حدود اعتقاله سنة 1975 والحكم عليه بالمؤبد بتهمة الإخلال بالأمن العام والتشكيك في مغربية الصحراء المغربية. وقد قضى 17 سنة بالسجن، حيث تم نقله ما بين السجن المدني (غبيلة) وعين بورجة بالدار البيضاء ولعلو بالرباط والسجن المركزي بالقنيطرة إلى أن أطلق سراحه عام 1991 وإبعاده إلى فرنسا بدعوى حمله لجنسية البرازيلية. وبعد ثمان سنوات سمح له بالعودة إلى الوطن سنة 1999 بمبادرة ملكية.

والسرفاتي بدأ نشاطه السياسي عام 1944 وعمره آنذاك 18 ربيعا حيث انخرط في حركة النضال من أجل الاستقلال وازدهار الشعب المغربي ومكافحة الظلم منذ التحاقه بالشبيبة اليسارية العاملة آنذاك في إطار الدوغمائية الشيوعية العالمية. ومع تقدم الممارسة واتساع آفاق الوعي وانفجار أزمة الشيوعية العالمية في الستينات. لاسيما مع بروز الخلافات العدائية بين الصين والاتحاد السوفيتي، اندفع السرفاتي رفقة ثلة من رفاقه نحو تعميق الرؤية في إطار تنظيم " إلى الأمام " والذي كان عضوا بلجنتها المركزية منذ تأسيسها في غشت 1970 ومع انهيار الاتحاد السوفيتي وإعادة النظر في جملة من القضايا توصل أبراهام السرفاتي مراجعة ثلة من الأسس الدوغماتية للماركسية ـ اللينينية وعلى رأسها الحزب الطليعي وديكتاتورية البروليتاريا اللذان كانا فشلا ذريعا على أكثر من مستوى. هكذا تغيرات الطليعة أو الحزب الطليعي وكل ذلك كان كامنا في الصورة فأصبحت قاتمة، إذ أن الحزب البولشفي قام بالثورة للاضطلاع بعملية تشييد الاشتراكية لبلوغ مرحلة الشيوعية. لكن عملية التشييد هاته عرقلت في الأوحال البيروقراطية والديكتاتورية هذا الفشل، في نظر السرفاتي ليس هو فشل الماركسية التي مازالت تعتبر منهجا لدينامية المجتمع وطريقة لفهم آلية تقدم المجتمعات وصيرورتها. والآن أصبحت دينامية المجتمع المدني هي العامل الحاسم في تقدم الشعوب والتغيير السياسي.والسرفاتي ومعه اسيدون وآخرون ساهموا بعملهم النضال المشهود لهم، حتى في أعصب مراحل المحنة، في حماية ماء وجه اليهود المغاربة والذين كانوا في أغلبيتهم الساحقة ضحايا مستساغة للصهيونية ودعايتها المغرضة.
والسرفاتي وأسيدون من المناضلين الذين ذاقوا مرارة التعذيب والتنكيل بدرب مولاي الشريف وغيره بمعية ثلة من المناضلين، منهم من نفذ بجلده ومنهم من لقي حتفه هناك، وكل هؤلاء ساهموا بأغلى ما عندهم من أجل أن يرفع الشعب المغربي هامته ومن أجل أن يصبح على ما هو عليه اليوم، تربة خصبة لقيام الديمقراطية والتوق إلى الغد الأفضل.
إلا أن بعض رفاق الأمس يعيبون على السرفاتي جملة من القضايا وعلى رأسها نسيان بعضهم الذين مازالوا إلى حد الآن يعانون الأمرين، هم ودويهم، لا عمل ولا دخل ومكان مرضه تحت شمس الوطن الذي ضحوا بعز شبابهم من أجل أن يبلغ إلى ما بلغ إليه الآن.

Driss OK

عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة





عبد السلام أبو درار، رئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة
أمازيغي حوله المعتقل إلى أحد رجالات محمد السادس


كان من شأن الضوء الأخضر الذي أعطاه الملك محمد السادس لدعاة تخليق الحياة العامة بالمملكة، قصد خلق كيان مركزي لمحاربة الفساد، أن استشعر من خلاله بعض المتتبعين بأن رغبة القصر جادة هذه المرة، بالقدر الذي يدفع البلاد نحو تسلق مراتب متقدمة في سلم التصنيف الدولي للبلدان التي تتجه فيها ظاهرة الرشوة إلى الانقراض، كما أن تنصيب الملك محمد السادس للرجل القادم من أعماق منطقة سوس على رأس هذه "الهيئة"، ساهم حسب أحد المهتمين في خروج الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة من قمقم المارد المخزني إلى حيز الوجود، على الرغم من كونها تسارع الخطى نحو التحلي بزي هيئة حكومية محضة، سيما أن جواز تأسيسها مر عن طريق ظهير شريف، عبر مرسوم صدر بالجريدة الرسمية في مطلع شهر أبريل 2007، لكن مع وجود هذا الرجل على رأس هذه الهيئة، بناء على إرثه الفكري والإيديولوجي، من شأنه حسب مناصريه أن يكرس مفهوم الرقابة لدى أباطرة الفساد بمملكة محمد السادس، ولو أن هناك من استشرف من خلال قراءة مستقبلية، عدم استقلالية الهيئة عن الحكومة، فمن يكون إذن، هذا الذي استرعى انتباه ملك المغرب لينصبه على رأس أكثر الهيئات حساسية بالمملكة؟

إسمه عبد السلام أبو درار، للوهلة الأولى قد يحيل هذا الإسم على رجل يتفرع عن عائلة تجذرت أصولها في عمق السلالات العربية الأصيلة، لكن بين هذا الإسم والانتماء هناك هوة سحيقة، نظرا لأن الرجل أمازيغي الأصل والمنبت.

بعد أن رأى النور بإحدى مناطق سوس، هاجرت أسرة عبد السلام إلى مدينة سلا، لتحط رحالها بحي شعبي اكتشف من خلاله الطفل أبو درار مظاهر التمدن، إذ بحث جاهدا عن وسيلة يفجر عن طريقها طاقته المخزونة، فلم يجد بدا سوى المدرسة التي تميّز بين فصولها عن باقي أقرانه آنذاك، حينها كون حوله أصدقاء الطفولة - حسب الذين يعرفونه- فكرة شاب يتطلع من خلال التهامه للمقررات الدراسية، احتلال موقع ريادي في المستقبل القريب. ولعل هذا الانطباع هو ما حذا بأوليائه إلى الدفع به نحو الديار الأوروبية لمتابعة دراسته، وإتمام مسيرة الألف ميل التي بدأ أولى خطواتها بمدينة سلا، كانت عاصمة الأنوار محطة مهمة في حياة عبد السلام أبو درار العلمية والمهنية، إذ تخرج من إحدى أهم مدارسها وأكثرها قدرة على تفريخ الأطر، تلك التي أنجبت كوادر من نوع خاص، أثبتت التجارب أنهم شلة تتحكم في أكثر القطاعات دينامية في البلاد، الحديث هنا ينطبق على المدرسة الوطنية للقناطر والطرق بباريس، تلك التي تخرج منها بعض ممن يدورون في فلك الملك محمد السادس.

عاد عبد السلام أبو درار إلى أرض الوطن سنة 1973، غانما دبلوم مهندس دولة من المدرسة الباريسية وعمره لم يتجاوز بعد 24 سنة، إذ شغل منصبا بوزارة التجهيز، كما عاد محملا أيضا بأحلام التغيير الجذري، أحلام ذاتية لم تثن صاحبها عن الإمعان العميق في هموم الوطن، وإمكانية خلط الأوراق قصد الخروج بتشكيلة سياسية جديدة تحكم المغرب بقبضة حديدية صرفة، فكان أن طالته في شهر نونبر 1974 آلة مخزن الجمر والرصاص، بتهمة الانتماء إلى التنظيم السري ذي النزعة اليسارية الراديكالية "منظمة 23 مارس"، ليجد نفسه وأعضاء فصيله السري يتقاسمون جميعا هواء زنازن باردة، تفوح منها عطانة الأسى الشفيف، إذ حكم عليه بخمس سنوات سجنا نافذا، كانت حسب أحد رفاقه كأنها الدهر كله، لكن بالرغم من وطأة الاختطاف وحرقة التعذيب وفظاعة جلادي عهد الحسن الثاني، أصر عبد السلام أبو درار أن يقتل رتابة زنزانته بالسجن المركزي بالقنيطرة، منصرفا إبان فترة التنكيل إلى الدراسات الاقتصادية، ومع انتهاء مدة الاعتقال خلال إحدى صباحات شهر نونبر سنة 1979، غادر السجن وفي نفسه غصة على رفاق الأمس، أثناء ذلك عكف على إتمام مشواره الدراسي، حيث تخرج من جامعة محمد الخامس بالرباط سنة 1980، متوجا بشهادة الدراسات العليا في شعبة العلوم الاقتصادية، إضافة إلى ذلك حاز على الماجستير في إدارة الأعمال بإحدى أعتد المعاهد الفرنسية، وهو ما مهد له الطريق نحو وظيفته القديمة بوزارة التجهيز، حيث عمل في مجال التجهيز والهندسة المدنية، بالإضافة إلى شغله مناصب متعددة بالوظيفة العمومية، إلى أن غادرها سنة 1998، وهي السنة التي انتقل فيها عبد السلام أبو درار إلى صندوق الإيداع والتدبير، حيث تدرج من مسؤول عن قطب تشجيع الاحتياطي الاجتماعي وتطوير آليات الادخار، مرورا بمنصب الكاتب العام للصندوق سنة 2002، لينتهي به المطاف سنة 2006 مديرا مساعدا للصندوق المعروف إختصار ب (CDG).

وعلى الرغم من ذلك كان حنين السياسة يجر صاحبه إلى الماضي الدفين، إذ عاش ما يشبه صراعا داخليا بين مهندس الطرق والقناطر والاقتصادي المحنك، وبين ذاك السياسي الذي يسكنه هاجس التغيير، لذلك حاول الرجل جاهدا أن يخلق نوعا من التوازن بين ميولاته الاقتصادية والسياسية، فكان أن انصرف إلى المجتمع المدني ذي الكنه السياسي سنة 1994، حيث ساهم في تأسيس الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة ( ترانسبراني المغرب)، بالإضافة إلى ترأسه للجنة محاربة الرشوة بالاتحاد العام لمقاولات المغرب (CGEM)، وكذا نيل عضوية المرصد الاجتماعي الدولي.

ما يميز الرجل عن غيره ممن اقتسم وإياهم مرارة سنوات وسمها لظى الجمر وثقل الرصاص، كونه قليل الكلام، إذ لا يتحدث إلا لماما، وعندما يتحدث، تكون تلك العبارات المنسابة على لسانه السوسي حارقة، إلى حد وصفها البعض بأنها تشبه حمما بركانية، ذلك أن عبد السلام أبو درار حسب معارفه، يتبنى في أحاديثه قاعدة رياضية خالصة، مفادها أن أقرب مسافة بين نقطتين هي خط مستقيم، ولعل ذلك كان سببا، جعل بعض ممن لا يتفقون مع الرجل، وصفه بـ" المتزمت" ذي النظرة الأحادية، فهو بالنسبة لبعض رفاق الأمس، رجل الخبرة في المجالات التي أنيطت به مهمة تسييرها، والسياسي المغمور، الذي دفعته مبادئ تخليق الحياة العامة إلى تعكير صفو مزاج صناع القرار بالمغرب، كما لا يتوانى البعض في نعته بالأمازيغي الذي لا يشتغل إلا في الظل بعيدا عن الأضواء الكاشفة. أما الذين ينظرون إلى الرجل من خلف حجاب، فهو عندهم بمثابة القنطرة الآمنة التي يمكن أن تمرر عليها بعض الجهات قراراتها ووجهات نظرها حول محاربة الفساد، هذا بالإضافة إلى تكهن البعض بكون تعيين الرجل على رأس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة من طرف الملك، هو محاولة لامتصاص حماس الرجل وتحويله إلى خدمة الحكومة التي يترأسها عباس الفاسي، وبالتالي إدراج الهيئة في خانة فتوحات هذه الأخيرة، لكن بين التكهن والواقع مسافة شاسعة، على اعتبار أن الرجل الذي انضاف إلى لائحة المحيطين بالملك محمد السادس، قادر حسب البعض على كشف الفساد ووضع الأصبع على الجرح الذي أدرج المغرب في خانة متقدمة ضمن الدول التي تنخرها الرشوة، مثلما تأكل الطفيليات أوراق التوت.

عن المشعل

المهدي المنجرة رجل الكرامة الممنوع





من الصعب الإحاطة بشخص متعدد كالمهدي المنجرة. متعدد في المهام التي تقلدها و حقول المعرفة التي خاض فيها لم ينزو للكتابة فقط، بل مفكر يكتب ويتحرك أكثر من الشباب الذين شاخوا. وهو الشيخ الذي لا زال شابا في نشاطه وتعاطيه الفكري وحداثته وأسلوب فكره. شخص لا يستطيع المكان أن يهزمه. لا يستطيع أن يعيش إلا على سطح الكرة الأرضية كلها. فهو يتنقل طيلة السنة بين المغرب واليابان وأمريكا وأوروبا. مفكر إنساني تعرفه جيدا جامعات العالم ونخبة العالم و صالونات الفكر العالمية . في هذا العمود لست مطالبا بان أذكر بان المهدي المنجرة هو أول طالب جامعي مغربي يدرس في أمريكا، أو أول أستاذ جامعي في المغرب، أو أول دبلوماسي أو تربوي وأول إذاعي.. ستجدون لائحة طويلة يحتل فيها الدكتور المهدي مرتبة أول..أول.. إلى أن صار أكثر المفكرين وأولهم في المنع في المغرب وصلت لحد الآن 12 منعا من مختلف إدارات المغرب، موزعة على مختلف أنحائه. مفكر حاول تنظيم حوار جنوب شمال وما بين الحضارات وأنشأ لذلك جائزة نالت احتراما دوليا تستمد احترامها من احترام صاحبها. الأمر الذي يؤكد معرفة الرجل بثقافات الشعوب واحترامها ومعرفة عقليات هذه الشعوب، مما يؤكد سعة فكر هذا الرجل واختياره للمعارك الكبرى على المساحات الشاسعة والصعبة والوعرة. أن ينال احترام نخبة العالم ليس بالأمر الهين ..

إنه تحدي عالم ومفكر مستقبلي بمنهجيته وطريقة تفكيره ذو شخصية قوية تدعمها كفاءته العلمية التي تشرف المغرب والمغاربة والعالم العربي ودول الجنوب والشرق. المهدي الذي حارب الحروب من أجل السلم والتعايش عبر ندواته ومحاضراته وجائزته. انتهى به الصراع إلى الانتباه إلى أمر في غاية الأهمية وهو هدر كرامة الإنسان في هذه الحروب، سواء التي أسالت الدماء أو أسالت الدموع. وقرر تحويل جائزته إلى جائزة الدفاع عن الكرامة، وهو ما يشبه خطوة إلى الوراء من أجل خطوتين إلى الأمام . تعتبر قيمة الكرامة محورا أساسيا في اهتمامات الدكتور المهدي، فهي التي حركت فيه الحرب الحضارية وأنتجت الإهانة في عهد الميغاإمبريالية وأعطت قيمة القيم وأرسلت رسائل إلى تجار الخوف والخوفقراطية حتى صارت مفاهيم المنجرة تعبيرات يستلمها الناس في خطاباتهم اليومية، مما يعني أن المهدي له امتدادات شعبية لا يستهين بها كذلك الصحافيون والكتاب الذين يجدون غالبا أمامهم عبارات ومصطلحات المهدي سبيلا لإيصال أفكارهم عبرها. عن مفكر الشعب الذي لا يفكر إلا انطلاقا من حاجيات الناس، أليس هو الذي يمكن أن يستحق صفة مفكر الشعب ومثقف الشعب أو كما ألفنا استعمال المثقف العضوي. أسس جائزة الدفاع عن الكرامة لأنه لم تبق كرامة .. لا مستقبل لمن لا كرامة له، لا دولة لمن لا كرامة له، لا بيت لمن لا كرامة له لا زوجة لمن لا كرامة له، و لا زوج لمن لا كرامة لها، ولا كيان لمن لا كرامة له، ولا تاريخ لمن لا كرامة له .. وقليل قليل من يحافظ على كرامته بالشكل المطلوب وأحس بشرف عظيم و بمسؤولية أعظم أن أكون من بين من حصل على جائزة الدفاع عن الكرامة للدكتور المهدي المنجرة، فهي فخر لي ولأبنائي ومسؤولية للاستمرار في الدفاع عنها إلى جانب زملائي أصحاب رسالة إلى التاريخ، وإلى جانب من حصل عليها مثل الكوميدي الممنوع أحمد السنوسي ورشيد نيني مدير جريدة المساء وعز الدين أقصبي باسم ترانبارنسي المغرب

... لا بد أن يكون شخص مثل هذا ممنوعا في بلاد هدر الكرامة وهدر حقوق الإنسان وهدر الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير، هو الذي أطلق من تطوان صرخة "باركا" لتكون أسلوبا في الاحتجاج على الواقع المغربي. باركا من هدر المال العام و الاستعباد والقمع والتخلف باركا باركا ... أطلقها من تطوان عندما استضافته جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان في محاضرة عن مستقبل حقوق الإنسان بالمغرب، إلا أنه جاء رد عاجل من القيمين على دار الثقافة بتطوان لمنعه من إلقاء هذه المحاضرة بهذه الدار، حيث غيرت الجمعية مكان اللقاء إلى قاعة خاصة رغم كبرها واتساعها، لم تسع الحضور الذي حل للقاء المنجرة .. لقد قال المهدي : لا ولا و لا... وفسح للشباب و الشيوخ الحديث .. وأتذكر ويتذكر الدكتور تلك الجامعية التي تدخلت وقالت له: يكفينا فخرا أنك منا .. زهد في المناصب وقرر أن يقول لا، بشكل علمي وفكري رزين، يبين مكامن الضعف سواء في المنظومة التربوية أو المنظومة السياسية أو الاقتصادية، يقدم الأرقام والحجج لإقناع الآخر سواء كان عدوا أو صديقا .. انتبهوا إنه شخصية حقوقية بامتياز، خبير كذلك في مجال حقوق الإنسان، إنه مؤسس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، غادرها عندما أحس بشيء يقول له غادر" فغادر"، لحد الساعة لم يندم كما لم يندم على حرف كتبه أو كلمة نطقها أو صرخة أطلقها أو مبادرة أنجزها أو ابتسامة أدفأ بها جلسته مع الأعزاء. دامت له الصحة والعافية وطول العمر.

عن " المشعل

الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

زكية داوود حاملة قلم تمردت على الوضع القائم







في زمن كانت الحياة مملة والأفق مغلق برز اسم زكية داوود كرمز للصحافة منذ حصولها على الجنسية المغربية بالصدفة. تحولت إلى مواطنة مغربية تلتزم بالواجبات، وتناضل من أجل حقوق، كانت تفتقر إليها بلادنا في مرحلة ستينيات القرن الماضي، انخرطت في "معركة القلم"، اعتبرها القائمون على الأمور متمردة على الوضع القائم، فخطط إدريس البصري لإعدام المنبر الذي تدبره، مجلة "لاماليف"، بجميع الوسائل لوضع حد لمشروع الإعداد لغد أفضل، بلورته رفقة ثلة من المفكرين والمثقفين والكتاب والصحفيين.
أدارت زكية داوود مجلة "لا" جوابا على كل ما لم يكن يستجيب لانتظارات المغاربة في مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في وقت كان الصراع على السلطة في أوجه.


أصبحت مغربية بالصدفة

ولدت باسم "حاكلين ديفيد" سنة 1937 في بلدة تسمى "بيرناي" قرب "نورماندي" بالديار الفرنسية، حيث ظل القائمون على المغرب، سيما وزارة الداخلية، يستخدمون تمتيعها بالجنسية المغربية، التي لم تطلبها، لتضييق الخناق عليها وإخراسها نهائيا كصحفية وصاحبة قلم ملتزم.
حولت اسمها إلى زكية داوود سنة 1963، لتصبح واحدة من أكثر الشخصيات رمزية في الصحافة المغربية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
تقول زكية داوود بخصوص اسمها: "هذا الاسم (زكية داوود) في الواقع هو الترجمة الحرفية لاسمي الحقيقي "جاكلين ديفيد"، كنت وصلت إلى المغرب عام 1958، وبعد ذلك بعام واحد حصلت على الجنسية. وبالتدريج تحولت جاكلين إلى زكية، والحقيقة أنني اخترت هذا الاسم المستعار بناء على طلب مدير مجلة "جون أفريك" حين كنت أعمل كمراسلة لها في الفترة بين 1963 إلى 1966، وكان قد أمهلني خمس دقائق فقط كي أختار الاسم".
حسب المقربين، حصلت زكية داوود على الجنسية المغربية بالصدفة سنة 1959 بمعية زوجها محمد لغلام، المنحدر من أب جزائري وأم مغربية دون أن تطلبها.


إعدام مجلة "لا"

إن السمعة التي تمتعت بها الصحفية والكاتبة، زكية داوود ـ العصامية والتي تركت المدرسة في سن 16 من عمرها ـ ترجع إلى مجلة "لاماليف" الصادرة باللغة الفرنسية, والتي أسستها رفقة زوجها لغلام، والممتد صدورها على مدى 22 سنة، لم تتوقف عن اكتساب المزيد من الانتشار، علما أن نجاحها شكل تهديدا واضحا في نظر الدوائر العليا، وهذا هو السبب الذي أدى إلى توقيفها عن الصدور في مرحلة أوجها.
يتكون اسم المجلة من حرفين عربيين يشكلان كلمة "لا" التي كانت تخيف المخزن والموالين له على امتداد سنوات الجمر والرصاص، حين كان مجرد الحديث عن السياسة من شأنه أن يقذف المرء في غياهب المعتقلات السرية، في أي وقت وحين.
كان محمد لغلام، زوج زكية داوود، صاحب الفكرة الذكية، تسمية المجلة بـ "لا"، كوسيلة مستترة للتعبير عن الانتماء إلى المعارضة واعتماد خط تحريري، مفاده أن كل شيء لابد وأن يكون محل تساؤل.
بدأت مجلة "لا" بطبع ثلاثة آلاف نسخة، وباقتراب "إعدامها" وصلت إلى توزيع 12 ألف نسخة، علما أن كل نسخة كان يقرأها عشرة أفراد على الأقل، وبذلك كانت "لاماليف" تتوفر على قاعدة قراء لا تقل عن 120 ألف. في البداية كان سعرها درهمين، وحين زاد عدد الصفحات من 46 إلى 90 أضحى سعرها سبعة دراهم، آنذاك كان عدد كبير من قرائها شبابا يعيشون على دخول بسيطة ويتداولون النسخة الواحدة فيما بينهم.
أدارت زكية داوود، رفقة زوجها المجلة من 1966 إلى 1988، وكانت تتبنى موقفا سياسيا غير معلن، وتهتم بقضايا اجتماعية، ثقافية واقتصادية، إلا أن اهتمامها الجوهري انصب على القضايا السياسية المصيرية، علما أن "لاماليف" نشطت في مرحلة كان خلالها معارضو البلاد لم يسلموا بعد زمام الأمور، آنذاك كان المغرب عبارة عن مسرح لنشاط ثقافي وسجال إيديولوجي على قدر عظيم من الأهمية.
وقتئذ ظهر أغلب الفنانين المغاربة الكبار وبرز الكتاب والشعراء والرسامون والمفكرون والنقاد..
لقد حملت مجلة "لا" مشروعا التفت حوله نخبة من المفكرين والمبدعين والصحافيين والفنانين، أقلق القصر الملكي والمحيطين به، وكان اسم المجلة ـ لاماليف أي "لا" ـ يرمز إلى رفض كل ما يناهض انتظارات الشعب وقواه الحية ولا يساهم في حل معضلات البلاد للسماح لها من التحرر الفعلي.
على امتداد صدور مجلة "لا" ظل القائمون على أمور المغرب يشمئزون من كل ما تنشره، حتى من الرسوم الكاريكاتورية. "إن عدم قبول هذا النوع من الإبداع (الرسوم الكاريكاتورية) ليس وليد اليوم كما قد يعتقد البعض، فـ "لاماليف" عانت كثيرا من هذا الأمر منذ الستينيات حتى الثمانينيات، إذ كانت الكثير من أغلفتها تشتمل على رسوم موقعة من طرف فنانين مغاربة وأجانب مثل "جين جورملين" الفرنسية، وقد كانت هذه الأغلفة سببا في منع بعض أعداد المجلة من التوزيع.
بدأ الهجوم على "لاماليف" عندما شرعت في الظهور كعنصر نشاز في المشهد العام، سيما عندما تألقت في مواكبة أهم النقاشات حول القضايا الجوهرية التي ستصبح فيما بعد سياسات فاشلة، من قبيل إصلاح التعليم وإشكالية اللغة والهوية والإسلام السياسي والتعامل مع الدين والمسألة الاقتصادية والخلافات مع الجزائر وسيطرة المخزن على دواليب صناعة القرار وإنتاج القوانين.
تؤكد زكية داوود أن وزير الداخلية المخلوع، إدريس البصري، هددها أكثر من مرة منذ أن شعر أن مجلة "لا" أضحت تبيع نسخا أكثر مما ينبغي. وقد استعمل معها جميع الأساليب الخسيسة، ليلفّق لها تهمة إهانة الملك، فقد ظل يبحث عن أي عذر لإعدام المجلة، إلا أن زكية داوود تقر قائلة: "الحقيقة أننا توقفنا لأننا كنا أصبحنا أهم مما ينبغي في نظرهم".
في واقع الأمر، وبخصوص التفسير السياسي، لم يكن في وسع "لاماليف" والقائمين عليها الاستمرار، حيث تمكنت وزارة الداخلية من استقطاب أو "اختطاف" عدد كبير من المساهمين فيها، لقد تمكن المخزن من جلب كتابها، بعضهم أصبح وزيرا وبعضهم مفكرا مسموعا والباقي انزوى وتوارى عن الأنظار، آنذاك كانت ساعة تاريخ المغرب المعاصر تشير إلى لحظة أوج سنوات الجمر والرصاص، سنوات الرصاص الثقافي.
آنذاك عمل إدريس البصري على إصدار أوامره المستجابة لمحاصرة الكتاب والمفكرين بعد أن اعترى القلق البين الأحزاب السياسية والصحف التابعة لها. كما بدأت فترة اختطاف الكتاب والمثقفين إعلانا عن ضياع الحرية والفكر.
في تلك الفترة كانت السلطة تدفع المثقفين الشباب دفعا إلى تجاوز "الخطوط الحمراء" لتنقلب عليهم فجأة ودون سابق إنذار.
في البداية كان وزير الداخلية، إدريس البصري، يرغب في الحد من انتشار مجلة "لا"، سيما حينما توسعت دوائر انتشارها إلى ما يزيد عن 12 ألف مقتني وأكثر من 120 ألف مطلع. وقتئذ قال الوزير لزكية داوود: "هذا أكثر مما ينبغي"، ونصحها بتقليص الطبع إلى 1000 نسخة فقط.
ظل إدريس البصري يحاصرها أملا في تحويل طاقم "لاماليف" إلى كلاب وديعة، مما أدى إلى توقيفها.
أشار الصحفي إدريس كسيكس إلى أنه دار حينها، في الكواليس، وتحديدا في ملعب كولف دار السلام حوار بين الملك الراحل الحسن الثاني وإدريس البصري وأحد الوزراء، حول فرضية وجود مؤامرة تدعمها الجزائر داخل هيأة تحرير مجلة "لاماليف"، وقتئذ كان الراحل نادر يعتة يكتب مقالات تتناول ضرورة بناء المغرب العربي وتجاوز خلافات الجارين (المغرب والجزائر)، ومحمد الطوزي يحلل هيمنة المخزن الخانقة في مختلف مجالات الحياة بالبلاد من المهد إلى القبر.
توقفت مجلة "لا" عند عددها المائتين (200)، وقد ضم شهادات مجموعة من المبدعين والمفكرين والكتاب الذين أكدوا افتخارهم بالانتماء لها.
وقد تزامن صدور عددها الأخير ـ قبل الإعدام ـ مع تناسل فرضية مؤامرة هيأة تحريرها مع الجزائر، في سنة 1988، حيث قال إدريس البصري لزكية داوود بصريح العبارة إن عليها أن لا تكتب على المخزن، لذلك قررت بمعية هيأة التحرير توقيف مجلة "لا"، تعبيرا عن رفض ما طلب منها.

مشوار زكية داوود

أمضت أولى مقالاتها بمجلة "جون أفريك" سنة 1963 تحت الاسم المستعار، زكية داوود، الذي أصبح مكونا أساسيا لهويتها.
اشتغلت لفترة قصيرة بالدار البيضاء، قبل انتقالها للعمل بالرباط في الإذاعة الوطنية بجانب زوجها محمد لغلام الموظف بوزارة الإعلام آنذاك.
عملت فترة من حياتها مراسلة لشبكة "رويترز" في المغرب، وألفت بعض المؤلفات منها كتاب عن المجاهد عبد الكريم الخطابي.
تقول زكية داوود عن مشوارها الوظيفي: "اخترت مهنة أخاذة، زاولتها بكل شغف وحب، وتعرفت على أناس متميزين، أو هكذا بدوا لي في لحظة أو أخرى من حياتي [..] وحاولت أن أجد لنفسي مكانة في المهنة".
قبل التألق عملت زكية بجريدة الطبقة العاملة "الطليعة" التابعة للاتحاد المغربي للشغل التي غادرتها سنة 1963، وأوقفت التعامل مع مجلة "جون أفريك" سنة 1965، اعتبارا للأخطار التي أضحت تحوم حولها جراء مقالاتها.
إدريس ولد القابلة
أسبوعية المشعل المغربية

الجمعة، 4 ديسمبر 2009

Brahim El alami





Brahim El Alami est un chanteur auteur-compositeur populaire marocain originaire de Casablanca. En 1944, sa famille déménage à Derb Soltane, où il vivra son enfance et suivra à l'École des Notables, de la rue de Mogador.
Quand on regarde les photos des années soixante de ce chanteur sexagénaire, on est frappé par l’air de ressemblance entre lui et le leader des Black Muslims (Organisation de musulmans noirs américains), dont le film biographique "X" a fait le tour de la planète il y a quatre ou cinq ans...


Même coupe de cheveux, même élégance raffinée et discrète, même sobriété. Des lunettes noires laissant entrevoir des yeux, perpétuellement mi-clos.
Depuis, trois décennies sont passées, le poids des années se fait sentir. Mais l’homme est toujours vigoureux et continue à chanter et à composer.
C’est lui qui a immortalisé Ifrane par cette merveilleuse chanson intitulée "wa mahla jamalou". Vous avez deviné, il s’agit de Brahim El Alami.
Cet originaire de Moulay Abdeslam est natif de l’Ancienne Médina de Casablanca. En 1944-1945, la famille déménage à Derb Soltane, et c’est là où il vivra son enfance et une bonne partie de sa jeunesse. Il n’ira pas plus loin que les études primaires, qu’il suivra à l’École des Notables, de la rue de Mogador. Mais à l’école de la vie, il gagnera au change.
Coquetterie d’artiste, notre homme refuse de révéler son âge exact. Mais il lâche quand même qu’il est né dans la deuxième moitié des années trente.
Saine émulation
Son frère aîné, Mohamed El Alami Aziz, musicien épris de musique andalouse et de melhoun, détectera très tôt ses prédispositions artistiques et pèsera, dans ce sens, sur sa destinée, en l’orientant vers le monde de la musique et de la chanson.
Brahim entreprend dès lors son apprentissage auprès des plus illustres noms de la musique et de la chanson casablancaises, tels le maître de la cithare (kanoun), Haj Aboubakr Talbi, fondateur de l’Orchestre "A-Chabab" ; de Abdeslam Zakaria, surnommé le Prince du Violon et du fin connaisseur de la chanson orientale, Mohamed Lahrizi.
Éternelles chansons
Jusqu’en 1953, il s’exerce à interpréter les classiques de Oum Kaltoum et de Mohamed Abdelwahab.
La période d’exil de S. M. feu Mohamed V et de la famille royale fut une période de trêve artistique en protestation contre ces agissements de la Résidence générale et des colonialistes ultra.
L’indépendance du Maroc en 1956 donna le coup d’envoi à un véritable feu d’artifice artistique, à une émulation sans précédent entre nos comédiens, chanteurs et musiciens et à une explosion de la création artistique.
À l’époque, faire partie de l’un des orchestres de la RTM n’était pas une mince affaire... Il fallait passer un concours très sévère, montrer qu’on était le meilleur dans sa catégorie et faire preuve de création originale et de qualité.
La chanson marocaine moderne faisait alors ses premiers pas et se libérait enfin de la tutelle pesante de la chanson orientale et de ses monstres sacrés. Le premier à avoir franchi le Rubicon fut le Prince de nos chanteurs, Ahmed Al Bidaoui. Suivi par Bouchaïb Al Bidaoui, Maâti Al Bidaoui et bien d’autres.
Quant à Brahim El Alami, il passa avec succès le concours de maestro de l’Orchestre de la Radio à Casablanca, avec la chanson, "Al Aïd". C’était en 1967. Et il succéda, à ce poste, à Maâti Al Bidaoui.
Artiste complet, Brahim El Alami est à la fois auteur, compositeur et interprète de la quasi-totalité de ses chansons. Des chansons éternelles par leurs paroles, leurs thèmes, leur musique... que les Marocains connaissent par cur et chantonnent avec délectation et nostalgie.
Cachet authentique
Des chansons qui éveillent en nous de tendres souvenirs d’enfance ou d’adolescence telles : "lli sortak bin aâynaya", "nassi al aâhd", "chehal ma souwelti fiya", "wa mahla jamalou"... Amusez-vous à chantonner un de ces refrains et à coup sûr votre interlocuteur les reprendra au vol, sans hésitation aucune.
Brahim El Alami a également composé la musique de plusieurs chansons de Naïma Samih et de Ismaïl Ahmed, toutes aussi connues les unes que les autres.
La sempiternelle question sur l’énigme du succès de ces chansons surgit inévitablement lorsqu’on a la chance de rencontrer une légende vivante de la chanson marocaine.
L’enthousiasme des premières années de l’indépendance, les débuts fougueux de la chanson marocaine moderne, la conviction de servir son pays en produisant des chansons de qualité... peuvent constituer un début de réponse.
Mais, au-delà de ce contexte historique indéniable, ce qui ressort avec force dans les chansons, les paroles et la musique d’une élite d’artistes qui ont pour nom : Abdessalam Amer, Abdelkader Rachdi, Mohamed Abdeslam, Ahmed Al Bidaoui, Mohamed Fouiteh, Maâti Benkacem... et bien sûr Brahim El Alami, c’est ce cachet authentiquement marocain. Un cachet qui puise ses racines dans le vécu quotidien de nos chanteurs. Un vécu témoignant de leur profonde implication dans la vie, les souffrances, les joies et les aspirations de notre peuple.
Ces artistes-là, et Brahim El Alami est pleinement des leurs, l’étaient par vocation. Ils étaient convaincus d’être porteurs d’un message, celui de la qualité et de la noblesse de leur art.
Eux n’ont pas cherché à s’expatrier, à tout prix, en quête d’une incertaine notoriété. Eux n’ont pas capitulé devant l’arabe dialectal égyptien, par velléité de conquête du monde arabe... À force de mimer les autres, on finit par ne ressembler à rien. Aujourd’hui, on est frappé par la flopée de chanteurs éphémères qui disparaissent avant que le public n’ait commencé à retenir leurs noms.
Les portes de la RTM leur sont grandes ouvertes, sans discernement ni sélection aucune », estime l’homme d’Ifrane. Pauvre RTM qui devient de plus en plus une auberge espagnole.
Brahim El Alami, lui, est plus rigoureux que jamais, comme on le vérifiera à la sortie toute prochaine de son nouvel album.
Lui ne cède point aux modes passagères. Il reste fidèle aux choix qui ont fait de lui un artiste respecté et aimé par son public

* " Ya lli sourtak bin aâynaya"
* " Ya Nassi al aâhd "
* " Hada chehal ma souwelti fiya "
* " M'ahla Ifrane "
* " Anta rak dari"
* " Doub ya galbi doub"
* " Gadbane aliya "
* " Khalik maya"
* " Khalini ba iid"
* " Ya ssakhi biya"
* " Ya salam "
* " M'ssak m'ssak"
* " Allah issamhek"
* " Layali l'aiid"
* " Touba touba"
* " Ya lbida"
* " Lile wana sahrane"
* " Ya li dabe fi hawak albi"
* " Dhalimni lih"
* " Ya habibi tal ghiabak"
* " Dima nkhamem fik"
* " Saouelt 3lik l3oud"

Vous pouvez écouter les chansons en gras sur ce lien :
http://www.moziga.biz/mp3,Brahim_El_Alami.html

les chansons soulignées:
http://www.maghrebspace.net/MusiqueA...m%20el%20alami

ميشيل- الحريزي لغز اغتيال رفيق المهدي بنبركة




أختطف من فاس، ثم من طنجة بعد مرور أقل من سنة على اعتلاء الملك الحسن الثاني عرش البلاد، ثم اغتيل رفقة زوجته وابنته.
جريمته، رفض خيانة وغدر رفيق دربه المهدي بنبركة، فكان مصيره التصفية الجسدية من طرف رجال الدليمي، تحت إمرة الجنرال محمد أوفقير سنة 1962.
نازلة اختفاء ميشيل الحريزي وعائلته ودواعي تصفيته في ظروف غامضة، ما زالت تنتظر حضور شجاعة الكشف عن تفاصيلها. فمن هو الحرزي؟ ولماذا اغتيل؟
ميشيل الحريزي.. قد يكون هذا الاسم غريبا في نطاق مغرب "الوطنية والمقاومة والتوق إلى التغيير"، لكن حامله أحد المغاربة المسلمين ورفاق درب المهدي بنبركة مع فجر الاستقلال.

اسمه محمد الحريزي أطلق عليه الفرنسيون اسم "ميشيل" باعتباره كان من أوائل أبناء سيدي قاسم الذين حظوا بقسط وافر من التعليم في مغرب كانت تسود فيه الأمية بامتياز، وذلك لتمييزه عن "الأهالي".

تكلفت به الحركة الوطنية بعد فقدان والديه وأشرفت على تعليمه، ارتبط بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وظل قريبا من المهدي بنبركة وأحد رفاق دربه رغم تعيينه بالداخلية في بداية مشواره.

ظل محسوبا على المقاومة وتألق بين أقرانه، إذ كان من القلائل آنذاك الذين حصلوا على الإجازة في القانون بالديار الفرنسية.
فيما بين 1956 و1960 ظل الوضع غير مستقر بالمغرب، لم تستطع الحركات السياسية، التي ناضلت من أجل الاستقلال، ولا السلطات التحكم فيه. وفي نهاية 1959 كانت بلادنا تجتاز مرحلة غليان ومواجهة حادة بين الملكية وحركة المقاومة. سعى الحسن الثاني، ولي العهد وقتئذ، جاهدا إلى التقليل من تأثير قوى التحرر والإنعتاق الكلي، إلا أنه فشل كليا مع المهدي بنبركة عدوه الأول دون منازع آنذاك.

في أواخر دجنبر 1959 لم يستسغ ولي العهد أن يحاضر المهدي بنبركة في الطلبة والتلاميذ نخبة المستقبل ورجال الغد، حينئذ كان العملاء و"البركاكة" و"الذين قلبوا الكبوط" منتشرين في كل مكان.

خلال ذلك الأسبوع كان من المقرر أن يلقي المهدي بنبركة محاضرة على طلبة جامعة القرويين وتلاميذ ثانوية مولاي إدريس بالعاصمة العلمية، وفي 18 دجنبر 1959 اختطف محمد الحريزي من قلب مدينة فاس من طرف زوار الليل.

تزوج محمد الحريزي بمواطنة سويسرية تدعى "إيريكا"، أنجبت له بنتا كان عمرها لا يتجاوز ثلاث سنوات لحظة اختطافه.
يومان قبل اختطاف محمد الحريزي، تعرض كل من عبد الرحمان اليوسفي والفقيه البصري وآخرون من قادة الاتحاد الوطني إلى الاعتقال. آنذاك كانت عناصر "الكاب 1" تسعى بكل الوسائل لمنع المهدي بنبركة من إلقاء محاضرته بفاس. وإذا كان المعتقلون قد عانقوا الحرية من جديد، فإن محمد الحريزي عكس زملائه، لم يظهر له أي أثر.

بعد اختطافه من فاس اقتيد محمد الحريزي إلى معسكر مولاي إسماعيل بالرباط، وهناك حاول الجنرال أوفقير أن يفرض عليه الخضوع لرغبته الرامية إلى اتهام المهدي بنبركة بإعداده لانقلاب ضد الملكية، وذلك باستعماله كشاهد إثبات للإقرار بالتهمة الخطيرة للتخلص من العدو الأول لولي العهد الذي تربع على العرش بعد حين، لكن رفيق بنبركة رفض الانصياع، فكان لزاما عليه أن يواجه رجال الجنرال، وعلى رأسهم أحمد الدليمي، حديث الالتحاق بالمخابرات وقتئذ، والذي يعرف حق المعرفة محمد الحريزي، منذ الطفولة بسيدي قاسم، خصوصا وأنه تألق في الدراسة، وهو يتيم الوالدين، وقد ذاع صيته في المدينة، وسط المغاربة والمعمرين.
بعد الاختطاف تحركت الزوجة "إيركا" وقدمت والدتها بالديار السويسرية، شكاية ضد الجنرال أوفقير، ولتهدئة الأجواء طلب هذا الأخير من الدليمي "فبركة" سيناريو هروب محمد الحريزي ومغادرته للمغرب بمعية زوجته وابنته، بعد سنتين من الاعتقال التعسفي دون وجه حق.

كان مصيره سيظل مجهولا منذ اختطافه الأول، لو لم تكن زوجته السويسرية أقامت الدنيا ولم تقعدها للكشف عن مصير زوجها، إذ ضغطت سفارة سويسرا على البلاط، فكان لزاما البحث عن مخرج لوضع حد للانتقادات الدبلوماسية، فكان المخطط التالي:

اقترب الضابط العلام أحد أبناء سيدي قاسم، من الحريزي، وهو في زنزانته في غضون سنته الثانية، ووعده بمساعدته على الفرار وتمكينه من الوثائق اللازمة لمغادرة المغرب. وكان العلام هذا تربطه علاقة قرابة مع أحمد الدليمي.
في شتاء 1960، اقتيدت عائلة الحريزي إلى فيلا بحي السويسي بعد تهريبه من المعتقل، وهناك استقبلهم أحمد الدليمي وهو يبتسم متظاهرا بأن أوفقير هو الذي كان وراء الاختطاف، وسمح لمحمد الحريزي بالاتصال بأصدقائه المقربين، وداع خبره في الأوساط السياسية. وبعد أيام تسلم جوازات سفر مزورة، ثم اقتيد رفقة عائلته إلى مدينة طنجة لمغادرة المغرب. وهناك قام الزوجان بالاتصال هاتفيا بذويهم بكل حرية، كما تمكنا من مكالمة أصدقائهما بالخارج لإخبارهم بأن العائلة على أهبة مغادرة المغرب.. آنذاك اعتقد الكثيرون أن عائلة الحريزي غادرت فعلا المغرب.

إلا أن رجال الكوميسير الطيب، نائب الدليمي، سيقومون باعتقال عائلة الحريزي وتسليمها لعناصر "الكاب 1". وبعد أيام تحركت والدة "إيريكا" من جديد، فتم إصدار مذكرة بحث دولية من طرف الشرطة السويسرية والتي ظلت بدون مفعول مادامت السلطات المغربية قد تنكرت لاختفاء محمد الحريزي وعائلته على ترابها الوطني وادعت أنه غادر المغرب بمعية زوجته وابنته.

اقتيدت العائلة إلى فيلا بحي السويسي (رقم 9) بزنقة مولاي إدريس، وهناك تمت تصفيتها بكل برودة سنة 1962، ثلاث سنوات قبل اختطاف المهدي بنبركة من مقهى "ليز" واغتياله بفيلا "بوشيش" بضواحي عاصمة الأنوار.

من الأشخاص القلائل جدا الذين سلطوا بعض الأضواء على قصة محمد الحريزي، رشيد سكيرج، رئيس مصلحة الاستعلامات العامة تحت إمرة الجنرال محمد أوفقير، إذ صرح لمجلة "نوفيل أوبسرفاتور" في منتصف أكتوبر 1966، أن "الحريزي وعائلته أعيدوا إلى الرباط بعد فبركة سيناريو الهروب"، وأضاف سكيرج :"تكلف الدليمي بتصفية العائلة، حيث قدم محمد لأسود القصر لافتراسه، في حين قتل الزوجة "إيريكا" وطفلتها".

لقد ظل رشيد سكيرج على علاقة بالحركة الوطنية. التحق بصفوف الأمن بأمر من المهدي بنبركة منذ الأيام الأولى للاستقلال، وكلفه بمراقبة ما يجري في الأوساط الأمنية.
برزت قضية محمد الحريزي من جديد بعد أن نشرت جريدة "لاتريبون دوجنيف" في 18 أكتوبر 1976 مقالا جاء فيه "أن سكيرج، نائب مدير الأمن المغربي ( وهو الدليمي وقتئذ) أدلى بتصريحات خطيرة عن قضية اختطاف عائلة الحريزي، مفادها أن هذا الأخير اختطف وتعرض للتعذيب لاستدراجه للاعتراف بالإعداد لانقلاب يقوده المهدي بنبركة ضد الملكية".
تخلص المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من هذا الملف بتسليم تعويض قدره 50 ألف درهم لشقيق محمد الحريزي وانتهى الأمر.
لقد أدى محمد الحريزي ثمن قربه من المهدي بنبركة غاليا، إذ فقد حياته معية زوجته وابنته الصغيرة، ولا يعرف إلى حد الآن مكان دفنهما، كما هو الأمر بالنسبة لبنبركة.


نبيل بنعبد الله الرفيق الذي عرف كيف يستفيد بهدوء





2009 / 3 / 10

بعد مغادرته لوزارة الاتصال، سئل بنعبد الله (بضم السين)، الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة، عن مشاريعه بعد الاستوزار، فكان رده أن الرهان هو النجاح على تدبير الحياة خارج "مهنة وزير"، سيما كصحفي، إذ أعلن أنه سيعود إلى مهنة المتاعب.
فشل فشلا ذريعا، لم يكن ينتظره، خلال الانتخابات بمجرد تركه كرسي وزارة الاتصال، لكنه حظي بمنصب سفير المغرب بالديار الإيطالية، الشيء الذي أعفاه من مكابدة تعب مهنة المتاعب كما كان قد صرح بذلك بعد الاستوزار.
لم يقو أكثر من مصدر على إطلاعنا على معالم مكونات الثروة التي نماها خلال مشواره كوزير، بالتدقيق المطلوب، غير أن أكثر من مصدر أكد لنا أن ثروته عرفت تطورا ملحوظا خلال فترة الاستوزار، كما أنه ساهم في تنمية ثروة القريبين منه و ذويه.
وانطلاقا من المعطيات المتوفرة لدى من يعرفونه، تتكون ثروة نبيل بنعبد الله من ثروة نقدية، شملت خلال فترة الاستوزار، المغامرة ببورصة الدار البيضاء، وبعض الممتلكات إلى جانب مساهمات في شركتين أو ثلاث ضمن قطاع الخدمات.
يقول أحد المصادر، إن الرفيق نبيل بنبعد الله، المنتمي إلى حزب نصب نفسه مدافعا على البروليتاريا والكادحين، معتبرا نفسه حامل مشعل مناهضة الاستغلال والرأسمالية والامبريالية؛ ونظرا لكثرة ما أراد نيل ثقة القيمين على الأمور، وضع نفسه في أوضاع حيص بيص، وخبر و جرب خلال مرحلة استوزاره، جدوى الاعتماد على سياسة العصا والجزرة ثم ما فتئ أن اعتمد عليها طوال مشواره الحكومي. علما أنه يعتبر الوزير الذي ظل يتباهى بحرية الصحافة في عهده وانفتاح مجال السمعي البصري.
ساهم نبيل بنعبد الله من موقعه، كوزير للاتصال وكناطق رسمي باسم الحكومة، في تمكين بعض ذويه من فرص تنمية ثروتهم، فقلة هم الذين يعرفون أن لنبيل بنعبد الله شقيقة راقصة، نوال بنعبد الله، تمتهن الرقص بالعاصمة الفرنسية، باريس، وتجيد هز البطن وتحريك الخصر والصدر.
لقد كانت نوال من المدعوين لتدشين أكبر أستوديو للرقص في إفريقيا، المنجز في عهد بنعلي والذي كلف "دوزيم" ملايين الدراهم اقتطعت من أموال دافعي الضرائب. كما تمكن الوزير من فرض شقيقته، حسب مصدر من قلب الدار، في "أستوديو دوزيم" بمبلغ ضخم لا يعلمه إلا هو والعرايشي.
ولمن لا يعرف شقيقة الوزير، فقد تعلمت نوال بنعد الله الرقص الشرقي بباريس، وأسست فرقة أطلقت عليها اسمها (فرقة نوال بنعبد الله) سنة 1990، تضم أشخاص من جنسيات مختلفة، وجمعية "أصدقاء نوال" التي أقامت مهرجانا ضخما للرقص الشرقي في قلب عاصمة الأنوار، ساهم المغرب في تمويله بسخاء.
عندما كان نبيل بنعبد الله، على رأس وزارة الاتصال وناطقا رسميا باسم الحكومة، دأبت "دوزيم" على تمرير رقصات شقيقته نوال وفرقتها بين وصلات كل سهرات "استوديو دوزيم"، وكانت تقدم بكونها حررت جسدها لتقديم لوحات راقصة من الفن النبيل، لكن دون الإشارة إلى أنها كانت تستفيد من الملايين مقابل ذلك.
لم يكتف نبيل بنعبد الله بإقحام شقيقته بـ "أستوديو دوزيم" مقابل رزمة من الملايين، وإنما جعل من زوجته وقتئذ، كوثر سوني، سفيرة للقفطان المغربي عبر العالم، وهو منصب من المستبعد أن يكون، الوزير الأول آنذاك ولا القيمون على وزارة الخارجية، قد فكروا في خلق مثله، علما أن حرم الوزير الناطق باسم الحكومة لم تكن تقوم بهذه المهمة "الدبلوماسية" بالمجان.
نبيل بنعبد الله، أحد أبناء عائلة رباطية عريقة، تابع دراسته الأولى في مؤسسات البعثة الفرنسية والعليا بالديار الفرنسية، تقلد مناصب مختلفة في حزب التقدم والاشتراكية وشبيبته وفي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بالخارج، واحتل موقعا بقيادة الحزب، امتهن الترجمة منذ 1987 وأدار جريدتي "البيان" و"بيان اليوم" من 1997 إلى 2002، انتخب مستشارا بجماعة أكدال ـ رياض في شتنبر 2003، و عين وزيرا للاتصال و ناطقا رسميا للحكومة، وبعد فشله في الانتخابات الأخيرة بتمارة أرسل سفيرا إلى إيطاليا.
ذلك بعجالة هو المشوار الذي قاده إلى الاستوزار والذي مكنه من تنمية ثروته وثروة بعض ذويه.

صنعه الإسبان، حماه الحسن الثاني، فهل يحاسبه محمد السادس؟





2008 / 10 / 26

خليهن ولد الرشيد


كالعادة، أغلب القضايا المرتبطة بالشخصيات الوازنة أو الإشكاليات الكبرى يكشف عنها الإعلام الغربي وترد علينا من الخارج، وهذا ما حققه الإعلام الإسباني مؤخرا، حيث نشرت إحدى المصادر الإعلامية أن الملك محمد السادس منكب على دراسة ثروة آل ولد الرشيد وسبل مراكمتها ومصادرها، وذلك على خلفية توصل الديوان الملكي برسائل من أعيان صحراويين مرفوقة بتقارير مفصلة عن طرق غير مشروعة لجمع الثروة ومراكمة ملايين الأورو أبطالهاأفراد من عائلة خليهن ولد الرشيد، الرئيس الحالي للمجلس الاستشاري لشؤون الصحراء (الكوركاس)، ويعتبر خليهن من الشخصيات التي اهتمت بها الصحافة الإسبانية مبكرا، إذ ظل محافظا، بقوة وحماس، على روابطه بإسبانيا.
ليست هذه، هي المرة الأولى التي تثار فيها إشكالية ثروة خليهن ولد الرشيد وطرق مراكمتها وتوسيعها، وإنما سبق أن أثارتها جهات أخرى منذ سنة 1989، لاسيما أثناء مناقشة البرلمان ملتمس الرقابة الذي تزامن مع المطالبة بمساءلة خليهن ولد الرشيد ومحاسبته بخصوص مراكمة ثروته الطائلة في فترة وجيزة، إلا أن جهات وازنة تدخلت بقوة في الكواليس لتهدئة هذه الزوبعة، كما أن فعاليات من قلب الكوركاس ظلت تثير هذه الإشكالية منذ تعيين خليهن على رأسه.
ويتساءل مصدر يحتل موقعا وازنا وحساسا، بخصوص وجود أياد خفية حركت، من جديد، هذه القضية باستخدام الصحافة الإسبانية، وذلك في إطار حسابات بين دائرة نفوذ ولد الرشيد ودائرة عالي الهمة، لحسمها قبل حلول موعد انتخابات 2009.
فهل سيكون خليهن ولد الرشيد أول "ضحية" للقانون النائم من منتصف ستينات القرن الماضي: "من أين لك هذا؟".


التزامن مع تقرير الشفافية


أثار تزامن الاهتمام الملكي بثروة عائلة ولد الرشيد، مع صدور تقرير منظمة الشفافية الدولية، جملة من التساؤلات في الأوساط الحاملة لهمّ مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة..
علما أن التقرير المذكور أكد أن النتيجة المحصل عليها تفيد عدم حدوث تطور بالمغرب في محاربة الرشوة والفساد رغم حضور الانخراط الصريح لمحاربة الفاسدين ومكرسي الفساد. كما أظهر التقرير أن تقهقر مرتبة المغرب قد يعود سببها إلى عدم تفعيل الإصلاحات المعلن عنها والتي بقيت، في نهاية المطاف، مجرد نوايا لم تجد طريقها إلى التطبيق على أرض الواقع، إذ احتلت بلادنا الرتبة 8 بين الدول العربية والرتبة 80 دوليا (72 سنة 2007) وحصلت على درجة 3.5 على 10، وهي نفس الدرجة المحصل عليها العام الماضي.
وقد تساءل البعض حول مسألة هذا التزامن، سيما وأن خليهن ولد الرشيد يحتل موقعا خاصا في مفاوضات الصحراء، مما يدعو إلى الغرابة حقًّا!


ثروة تراكمت بسرعة البرق


ظلت ثروة عائلة ولد الرشيد مثار عدة تساؤلات منذ أن كلّفه الملك الراحل بوزارة الشؤون الصحراوية، والتي كان يديرها على شكل دولة في قلب دولة بدون حسيب ولا رقيب.
احتكرت عائلة ولد الرشيد امتياز تصدير الرمال إلى إسبانيا منذ أمد طويل وتصرفت في هذا القطاع متصرف المالك في ملكه دون مراقبة، وذلك رغم كثرة الأصوات التي ظلت تنبّه إلى الأخطار البيئية الناجمة عن النهب العشوائي لرمال الصحراء قصد منحها إلى إسبانيا.
ومن مصادر الثروة الوطنية التي استخدمتها عائلة ولد الرشيد، الأراضي المجزّءة والتجزئات المنجزة من طرف الدولة، حيث حسب أكثر من مصدر، كلما أنجزت تجزئة بمدينة العيون إلا وكان للعائلة حظ وافر منها، وعندما تنفد البقع، يتم تحويل الكثير من البقع المخصصة لمناطق خضراء أو مرفقات عمومية إلى بقع تجارية مخصصة لبناء الفيلات، تسلم آنذاك إلى الأعيان والمقربين، وكان لعائلة ولد الرشيد نصيب الأسد، وهذا ما أكده أحد الموظفين السابقين بالوزارة المكلفة بالصحراء والذي عمل، بعد حلها بالقسم التقني لعمالة العيون في عهد العامل زمراك ومن أتوا بعده.
ومن المؤشرات القوية التي تبيّن سرعة ثراء عائلة ولد الرشيد، ثروة شقيق خليهن، حمدي ولد الرشيد، والذي كان مستخدما بسيطا، وأسر لنا أحد سكان العيون العارفين بخبايا الأمور، أنه "كان خدام في "كوبيرتا" ثم عمل كورتي في المحطة"، وبقدرة قادر أصبح من أغنى أغنياء المنطقة، في رمشة عين دون بدل أي مجهود. ولم يقتصر الأمر على هذا الحد، وإنما أصبح الآمر الناهي في تدبير الشأن المحلي. ويضيف مصدرنا، كان أهل ولد الرشيد أقل ثراء بكثير من أبناء عمومتهم "آل الدخيل" و"آل ميارة"، وقد تجاوزوهم اليوم بمسافات سنوات ضوئية في الغنى والثراء.


وزارة الشؤون الصحراوية.. "مغارة خليهن"


شكلت وزارة الشؤون الصحراوية بقرة حلوبا، إذ قام خليهن بإعادة هيكلتها بمعرفته وعلى مقاسه بطريقة جعلها مستقلة كليا رغم تدخلها في جميع المجالات، فكل المشاريع (ما عدا الطرق والموانئ والشبكات...)، مهما كان نوعها بالصحراء فإنها تدخل في إطار اختصاصه ولا يسمح بتدخل أية وزارة أخرى بهذا الخصوص حتى في المجالات التقنية المحضة، وأكد لنا أحد موظفي وزارة المالية بالعيون، أنه لم يكن أحد يقوى على القيام بمهامه بخصوص مشاريع وزارة "ولد الرشيد" رغم الاختلالات الكبيرة، مضيفا: "أحيلكم على ملف المركب الرياضي والعمارات العشوائية بالداخلة والتجزئات السكنية بالعيون ومستشفاها متعدد التخصصات، على سبيل المثال لا الحصر، للوقوف على وجوه النهب البيّن الذي كان يمارس في تلك الوزارة.. كما أحيلكم على ملف ساحة الدشيرة بالعيون المكتراة حاليا لأحد السابحين في فلك ولد الرشيد، والتي حوّلها إلى مقهى ومجمع ترفيهي تدر عليه الملايين...".
تصرفت وزارة الشؤون الصحراوية في ميزانيات ضخمة في وقت سادت فيه "السيبة المالية" بالصحراء وغابت فيه أدنى مراقبة.
لقد استغل القائمون على هذه الوزارة قاعدة "الصحراء حالة استثناء" وفهموها في اتجاه واحد لا ثاني له، "مادام ليس هناك أية مراقبة، فلا مانع من خدمة المصالح الشخصية إلى أبعد حد ممكن باعتبار أن كل شيء قابل للتبرير، فالقضية قضية وطنية كبرى"، وهذا ما جرى به العمل فعلياً في مختلف الميادين والمجالات.
ويرى أحد الباحثين الاقتصاديين أنه لم يكن من الصعب السير على هذا المنوال باعتبار أن القائمين على الأمور كرّسوا منذ منتصف السبعينات سياسة شراء الذمم وتشجيع "الوطنية" المؤدى عنها التي تمرّ أولا عبر البطون.
لقد شكلت الوزارة المذكورة "مملكة خليهن ولد الرشيد"، علما أنه حسب التقارير الأجنبية، كلّف تمويل المشاريع الاقتصادية والاجتماعية بالأقاليم الصحراوية خلال السنوات الخمسة عشر الأولى ما يفوق 6 ملايير دولار، ولم تخل تلك البرامج، في عهد رئاسة خليهن لهذه الوزارة من تساؤلات عميقة، سواء تعلق الأمر بتدبير الميزانيات المرصودة أو فيما يخص تهريب المواد المدعمة.
آنذاك كانت كل الأمور المرتبطة بالمشاريع المبرمجة بالصحراء بيد وزير الشؤون الصحراوية، القائم عليها، خليهن ولد الرشيد، علما أنها كانت وزارة متعددة الاختصاصات، تهتم بكل المجالات.
وهناك مشاريع ضخمة برمجت بالعيون والداخلة وسمارة وبوجدور خصصت لها أموال طائلة، وهي مشاريع هائلة على الورق، مواصفاتها تحترم آخر تقليعة في الميدان، لكن ما تم إنجازه لا علاقة له بما ورد في الدراسات، بل هناك من هذه المشاريع ما تطلبت ميزانيات إضافية مهمة رغم أنها لم تحترم المواصفات، وهناك مشاريع صُرفت عليها الملايير خلصت بصددها لجن مختصة بأنها غير صالحة للسكن بعد صرف ملايين الدراهم، مثلا العمارات العشوائية بالداخلة، التي قدمت في الأوراق كإقامات تحترم أعلى المواصفات.


هل هي قضية تصفية حسابات؟


يرى البعض أن خليهن ولد الرشيد من "الديناصورات" التي تم صنعها عن قصد، وتم غض الطرف عنه، بل دعمه ومساندته، لذلك لا يخفي هؤلاء شمّ رائحة تصفية حسابات.
لا يخفى على أحد أن طبيعة العلاقات بين خليهن ولد الرشيد من جهة وصديق الملك، عالي الهمة، من جهة أخرى، ظلت متشنجة وحرب الضرب من تحت الحزام قائمة.
وبرزت بعض لقطات حرب الرجلين عبر التجاهل الذي لاقاه عالي الهمة بالصحراء، وكذلك تداعيات تسريب شهادة ولد الرشيد أمام هيئة الإنصاف والمصالحة للصحافة.
يقول عبد السلام أديب، الباحث في العلوم الاقتصادية والناشط الجمعوي، في هذا المضمار، في كل مرّة تتم إثارة محاسبة أو مساءلة مسؤول خبير أو عرض وزراء أو موظفين سامين على أنظار المحكمة، لا يكون الأمر متعلقا في الحقيقة سوى بتصفية للحسابات بين أطراف نافذة في الدولة، حيث تكون المتناقضات بين الأطراف المخزنية قد بلغت مستويات حرجة، مما يجعل أمر كشف أوراق فساد بعض الكبار حتمية، لتجميد أدائهم على رأس إحدى المؤسسات، وتظل الغاية من وراء ذلك تصفية حسابات، أو حتى لا تتضخم القضية، فتهدد مصالح أخرى، والدليل هو أنه لم تكن هناك أبدا متابعة لأحد الملفات حتى المنتهى.


تأييد واسع للمحاسبة والمساءلة


تلقى الشارع بالعيون نبأ اهتمام الملك محمد السادس بإشكالية ثروة "ولد الرشيد" بالاستحسان الكبير، مع التساؤل: هل تدخل الملك أضحى ضروريا لتحريك أي ملف؟
هناك أصوات كثيرة، من الأقاليم الصحراوية ومن داخل الكوركاس تؤيد فكرة محاسبة الأعيان وكبار المسؤولين في الجيش والداخلية وتجار الحرب الذين مصوا دماء المغرب، وقد استغلت هذه الأصوات الاهتمام الملكي بملف ثروة ولد الرشيد لإبداء رغبتهم في انكباب القائمين على الأمور ببلادنا على الاهتمام بملفات نهب الثروات والتلاعب بالمال العام واستغلال المناصب المخزنية.
وفي هذا الصدد أكد لنا أحد المناضلين الحقوقيين بالعيون أن هناك أعيانا استغلوا ملف الصحراء لتنمية مصالحهم الشخصية، وفي هذا الصدد، فهم لا يختلفون، في نهاية المطاف عن الانفصاليين، ما دامت المصالح الشخصية أَوْلَى.
ويضيف، أغلب من اقتربوا من المخزن، بخصوص قضية الصحراء، أن أغلبهم فعلوا ذلك من أجل الاغتناء والنهب، فمن أتيحت له الفرصة ولم يصر غنيا؟ ويسترسل محدثنا، إذا كانت هناك فعلا رغبة للمحاسبة وجب الاهتمام كذلك بثروات الجنرالات وكيف راكموها، وأيضا جملة من مسؤولي الدولة، لأنه لا يمكن محاسبة أو مساءلة هذا وترك ذاك.. لأنك إذا أردت أن تعرف مدى نزاهة ومصداقية أي مسؤول، فاسأل عن ثروته وكيف كوّنها؟
وختم كلامه بالقول إن خليهن ولد الرشيد صحراوي ذكي رقص على جميع الحبال.
وقد أسر لنا أحد المواطنين من مدينة العيون بأنه بمحاسبة ومساءلة خليهن ولد الرشيد، من الواجب كذلك مساءلة من تَمَّ فرضه على ساكنة العيون ليمثلها في البرلمان ويرأس مجلسها لمدة 19 سنة؟ ومن كان يغض الطرف عن نهجه في تدبير الميزانيات الطائلة؟ ومن كان يلمّع صورته في الإعلام؟ ومَن كان يجبر الصحراويين البسطاء على ارتداء "دراعيات" جديدة ليظهروا في التلفزة، فَرٍحين حد الثمالة بخطابات خليهن وهم لا يجدون قوت يومهم"، كل هؤلاء يتحملون كذلك جزءا لا يستهان به من المسؤولية.
ومن المعلوم، أن جمعية الصحراء المغربية وجهت كتابا إلى المجلس الأعلى للحسابات بخصوص ما أسمته باختلالات مهمة في مالية وميزانية الكوركاس والتمست إجراء بحث وتقص في الموضوع في أواخر شهر يوليوز 2008.


غضبة الملك الحسن الثاني


مع فجر التسعينات بدأت تظهر علامات غضب الملك الراحل الحسن الثاني على محميه، خليهن ولد الرشيد، وقد تأكدت غضبة الملك عليه بعد فشله في الانتخابات التشريعية وإلغاء وزارة الشؤون الصحراوية سنة 1991.
أفل نجم خليهن ولد الرشيد ولم يعد يظهر له أثر مع حلول العهد الجديد إلى حدود إعادة هيكلة المجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية الذي اضطلع برئاسته في مارس 2006، وذلك رغم بروز أصوات كثيرة تعارض، بشكل أو بآخر، اضطلاعه بهذه المسؤولية.
لقد تمكن خليهن انتهاز فرصة الانفجارات الاجتماعية بالأقاليم الصحراوية في نهاية التسعينات والصراع الذي ظل قائما بين أهالي المنطقة وسكان مخيمات الوحدة الذين أوتي بهم للمشاركة في الاستفتاء، وقد تألق خليهن في هذا المضمار وبذلك استرجع دعم الوجهاء الصحراويين له، الشيء الذي مكنه من فرض نفسه من جديد، بعد أن اضطر للغياب عن الساحة حيث ظل معروفا بتقلباته المفاجئة كلما شعر بأدنى خطر منذ أن كان مواليا للجنرال فرانكو، قبل أن يصبح رجل الملك الراحل الحسن الثاني في الصحراء، ثم تبنيه لدور المعارض في فترة همّش خلالها سياسيا، ليعود للظهور قبل تعيينه على رأس الكوركاس في مارس 2006، وقد قال عنه الزميل علي أنرولا إنه كل مرّة يولد من جديد من رمال الصحراء.
ظل الإسبان يعتمدون كثيرا على خليهن ولد الرشيد لاستمرار مصالحهم بالمنطقة، حيث أكد أكثر من مصدر صحراوي وإسباني، أن المسؤولين الإسبان عملوا في عهد الجنرال فرانكو على إعداد خليهن ليكون رجل إسبانيا الأول بالصحراء والمغرب. وكانت البداية بدعمه، من وراء الستار، لتولى زعامة حزب الوحدة الوطنية للصحراوية "البونس" الذي خلقته إسبانيا على مقاسه في منتصف سنة 1974، وكانت تقارنه بالرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد دادة المتزوج من فرنسية وطمحت في أن يسير على نفس المسار، وهو المتزوج من إسبانية.


المشوار


التحق خليهن بالمغرب في أواسط السبعينات، وكان أول من اغترف من إكراميات الملك الراحل الحسن الثاني، ضمن أهل الصحراء، إذ فتح له حسابا خاصا بسويسرا زوّده بملايين الدراهم وبالعملة الصعبة.
وساهم إدريس البصري في نجاحه في الانتخابات التشريعية في التسعينيات حيث أصبح نائبا برلمانيا بقبعة "الأحرار" قبل الانشقاق عنهم وخلق الحزب الوطني الديمقراطي. وفي سنة 1977، كان سنه لا يتعدى 28 ربيعا، حيث عينه الراحل الحسن الثاني كاتبا للدولة مكلفا بالشؤون الصحراوية قبل ترقيتها لوزير على وزارة مستحدثة سنة 1984 إلى أن ألغيت، وبموازاة مع ذلك بقي يتحكم في كرسي رئاسة المجلس البلدي لمدينة العيون ما يقارب عقدين من الزمن بدون منازع بفعل دعم ومساندة وزارة الداخلية في عهد إدريس البصري الذي، مع ذلك، لم يكن يطيقه، غير أن ما شَفَعَ له إحاطته بملف الصحراء أكثر من غيره ولشعبيته آنذاك وسط أقوى القبائل الصحراوية.
إنه من مواليد 24 نوفبر 1951 بضواحي كلميم، من جيل عاين وعايش الاستعمار الإسباني في ظل النظام الفرانكاوي، تربطه علاقة العمومة بمصطفى السيد الوالي، مؤسس البوليساريو الذي قاد الثورة والكفاح المسلح، في حين اختار خليهن ولد الرشيد النضال من داخل حزب "الاتحاد الوطني الصحراوي" بطريقة سلمية، وهو الحزب الذي ترأسه والذي صنعته إسبانيا لتشجيع مسار الابتعاد عن المغرب وتكرار تجربة موريتانيا مع ولد دادة.
تولى العقيد "رودرغيز دي فيغوارا"، أحد أقطاب جهاز المخابرات الإسبانية، الإشراف عليه منذ اضطلاعه برئاسة حزب "البونس".. وقد لقبه بـ "الغواصة الصفراء" لأنه كان من حين لآخر يغيب عن عيون المخابرات.
أشرف الجنرال أحمد الدليمي على قدومه آتيا من باريس، وقد قيل إن خليهن يحظى بثقة ياسين المنصوري رئيس "لادجيد"، وإنه كثيرا ما كان يقول بأنه لا يصرح بأي شيء بدون تعليمات ملكية.
منذ أن عيّنه الملك محمد السادس على رأس الكوركاس وخليهن ولد الرشيد، حاول تعبيد الطريق لحل سياسي، عبر تطبيق الحكم الذاتي كمخرج لطي ملف الصحراء، إلا أنه ظل متهما من طرف الكثير من أعضاء الكوركاس الذي يترأسه، بالتدبير الفردي والانفرادي وعدم تمكين الأعضاء من المشاركة في خدمة القضية وتحقيق النتائج.


ومهما يكن من أمر، هل يمكن اعتبار الاهتمام الملكي بثروة آل ولد الرشيد على خلفية ما توصل به الديوان الملكي من تقارير وكتابات وكذلك ما نشره الإعلام الإسباني، إشارة قبلية للشروع في فتح ملفات الفساد الكبرى التي ساهمت في ترسيخ الأزمة الممنهجة التي طالما طُبِّقت باستمرارية وتمادي مقصود في ظل غياب نية حازمة وعزيمة جدية وجريئة لوضع حد نهائي، ولو نسبي، لفساد الكبار، كما طُبِعت أيضا بتقاعس، يظهر كأنه مقصود، لإيجاد حلول جذرية ومنطقية كفيلة للحد من استمرارية وتمادي الفساد الذي أضحى ينعته البعض بـ "الفساد الممأسس" اعتبارا لتجذره في المجتمع؟ وهو سؤال أضحى الحليا أكثر بروزا من السابق، لكن يليه سؤال آخر لا يقل عنه أهمية، هل ستتم إزاحة خليهن ولد الرشيد عن الكوركاس؟

الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني لازلت حيا، رغم رحيلك عنا




2009 / 7 / 6

عبد الفتاح الفاكهاني هكذا عرفناه...
هدف واحد ظل يشغل بال الفقيد، إنه تغيير هذا العالم الذي لم يعجبه يوما. وبرحيله على حين غرة، فقدت ساحة الكلمة الحرة الملتزمة والمسؤولة أحد فرسانها، بعد أن صارع الموت ردحا من الزمن في صمت وشجاعة وهدوء ورزانة.

لقد ظل الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني من طينة المناضلين العاملين في السر الرافضين للظهور، مدافعا على امتداد أكثر من ثلاثة عقود عن كرامة المواطن وحقوق الإنسان في كل الجبهات، ومخلصا دائما للمبادئ والأفكار والمواقف التي اعتقل من أجلها.. ناضل كقيادي ضمن الحركة الماركيسية اللينينية (منظمة "إلى الأمام") ولم يوفر جهدا لتوحيدها.. وكنقابي وفاعل جمعوي وككاتب وشاعر.. صحفي.. وموسيقي.. لم يسجل عليه يوما أنه طمع في امتياز أو حظوة رغم أنه كان لكل مساندة موضوعية مستحقة فقير.. حرص حرصا شديدا على نظافة ونقاء مساره، متشددا في الدفاع عن الديمقراطية والتغيير من أجل نصرة الحرية وكرامة الإنسان.. لذلك إنه فقيد الجميع، فقيد كل التواقين إلى تغيير حقيقي لصالح الإنسان وعيشه الكريم.

برحيله فقدت سماء الكلمة الحرة والالتزام النضالي النظيف أحد نجومها.. وهو الإنسان الذي عرف كيف يواجه الحياة بتعقيداتها المحبطة ودسائسها التافهة، بصمت وأنفة.. لقد أحب وطنه، حبا خاصا، بطريقته، وشكل هذا الحب الخاص المعين الذي كان يغترف منه الوفير من قوة صموده المادي والمعنوي.

كان أقل كلاما عن باقي رفاق دربه لكنه أكثر تحركا على أرض الواقع.. كان يولي الأولوية لـ "البراكسيس" أكثر من "الهضرة" رغم أنه كان خطيبا ممتازا.. تميز بعتاده النضالي، النظرية الصلبة.. ظل "جلموديا" في هذا المضمار.. في انتخابات "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب"، حينما كان يمثل، وقتئذ "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" لم يدق طعم النوم أربعة ليال متتالية بشهادة إبراهيم الكازوزي أحد رفاقه، وذلك لحراسة صندوق التصويت قبل فتحه ومعاينة محتواه خلال المؤتمر الرابع عشر.

كان أحد أبرز خطباء "جبهة الطلبة التقدميين" بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ورفيق الدراسة للراحل إدريس بنزكري في نفس الشعبة "الآداب الفرنسية". يثقن الفرنسية والعربية، كان، محفوظا في عيون رفاقه على درب الكفاح والنضال منذ 1968، مكتبة متنقلة وقاموسا متحركا.

من آخر كلماته – حسب الذين رافقوه عند احتضاره - "أنا فرحان.. أنا سعيد" ويحق له فعلا أن يكون كذلك.. لقد ظل مشواره نظيفا حتى آخر رمق في حياته، ولم يندم على أي لحظة من لحظات مشواره رغم رداءة العالم الذي عاش فيه.
ابتعد عن "السياسة" لكنه لم يتنكر لقناعاته.. بقي الفاكهاني الذي عرفناه منذ فجر سبعينات القرن الماضي.

مات عبد الفتاح الفاكهاني العازف الماهر على الآلات الوترية، إذ كان صاحب حس موسيقي رهيف.. بمعية بعض رفاقه في السجن المركزي بالقنيطرة يخفف على مجموعتي حي "ألف 1" و"ألف 2" وطأة الاعتقال وفقدان الحرية، يحلق بهم في بهو ساحة الفسحة عبر أغاني ناس الغيوان وجيل جيلالة بلكنته المراكشية الخاصة.. في البداية اكتفى بالاعتماد على القليل المتوفر لتشكيل فرقة موسيقية خلف الأسوار، سرعان ما تألقت مجموعته بعد أن سمحت إدارة السجن بإدخال بعض الآلات الموسيقية، وبعد التقليد جاءت مرحلة البحث عن تأليف أغاني ملتزمة خاصة.. كان الأمر سهلا على الفاكهاني الشاعر الذي برز في بداية الثمانينات من قاع السجن المركزي بالقنيطرة مبدعا متألقا.

سابقة أخرى، يتذكرها أحد زملائه بالسجن، الفقيد عبد الفتاح الفاكهاني كان أول من تكلم عبر الهاتف من داخل السجن ضمن مجموعته، عندما أخبر بعض رفاقه من لجنة المفاوضات المعزولين بسجن تازة وعين قادوس بفاس لفك الإضراب عن الطعام، ولم يكن أحسن من عبد الفتاح الفاكهاني للقيام بهذه المهمة اعتبارا لصوته الجهوري، ولسهولة التعرف عليه، سيما وأنه كان يبدأ كلامه بمقدمة لا يمكن أن تصدر إلا عنه.
خلال محاكمة مجموعته كانت سيارات الأمن تأتي باكرا إلى سجن "عين بورجة" لنقل المعتقلين إلى المحكمة، وحالما تغادر الباب الرئيسي، ينطلق صوت عبد الفتاح الفاكهاني.. همهمة تتصاعد رويدا رويدا منشدا نشيد الثوار..

"رمز الإنسان ثائرون
لم يعد يقبل الهوان
إذ دوّت صرخة الضمير
إيمانه يسدد خطاه
شمس الحقيقة هداه
نحو الأفق الأحمر يسير [...]".
وعندما يصل إلى "اللازمة" يكون الجميع قد شارك الفقيد في الإنشاد، لينطلق كل راكبي السيارة: "[..] لتكسير قيد العبودية
وأنياب الفقر الوحشية
يهب الثوار كلهيب النار".
فلتشملك رحمة الله.